إلى عوائل الحكم وأصحاب القوة
عارف الدوش
عارف الدوش

هبّت رياح التغيير على الوطن العربي والمنطقة برمتها عام 1989م بربيع الديمقراطية وقيل يومها ان رياح الديمقراطية هبّت على المنطقة فعقدت الندوات وجرى التبشير بموجة الديمقراطية في المنطقة العربية لكنها بكل حفلات تزيينها للمجتمعات ونفخ الروح في قرب مقطوعة هي حكام معتقين زمناً وعمراً كانوا قد شاخوا وشاخت أنظمتهم فلم ينفع معهم ولا مع أنظمتهم المهترئة هبوب رياح الديمقراطية.

وقد حاول الغرب ومنظماته وأجهزة مخابراته ومساعداته التي يقدمها باليد اليمنى ليستردها مرة أخرى باليد اليسرى أن يصور بعض الأنظمة وقادتها في المنطقة بأنهم نبراس ديمقراطي سيضيء نوره كل المنطقة، فكان الغرب وأدواته يطبخ نتائج الديمقراطية في صناديق يصنعها بإعلامه وتقارير منظماته فيشيد بهذا الزعيم وتلك البلاد ويقلب منها جنة الديمقراطية في المنطقة.

وسكت الغرب عن عدم وجود الديمقراطية في دول عديدة في المنطقة وسمح نهاراً جهاراً بانتهاك صناديق الانتخابات في الدول الأخرى وخاصة من كان يسميها تاج الديمقراطيات الناشئة، فقد كان يعلم بأدواته في تلك الدول ان التزوير سيد الموقف فكان يتغاضى عن إعلان نتائج الفوز قبل ان تفرز الصناديق وتناسى عن عمد أن هناك صناديق ملئت ببطاقات كتبها رجال الحاكم.

ولأن الحكام كانوا يعلمون ماذا يريد منهم الغرب وماذا يريد من لعبة الديمقراطية المصنوعة خصيصاً للمنطقة فقد كانوا يحسمون نتائج الانتخابات قبل ان تبدأ بتوزيع معسكرات الجيش والأمن أو بطباعة وتوزيع بطاقات الاقتراع على الصناديق والدوائر ويصوت رجال الحاكم بدلاً عن الناس الأحياء والأموات.

 فأنتجت رياح الديمقراطية منذ 1989م حتى 2011م ميزاناً مختلاً سيطرت فيه العوائل على الحكم في دول المنطقة التي انتهجت الديمقراطية المصنوعة خصيصا للمنطقة وزعمائها فمثلا في اليمن استأثرت عوائل قليلة على تقاسم السلطة والثروة وتحدثت الدراسات أن 2 % من اليمنيين يستأثرون بـ80 % من دخل البلاد وأدت الديمقراطية المصنوعة إلى تكوين الثروات غير المشروعة لدى قلة قليلة من العائلات المهيمنة على كل شيء، قوت الناس ومعيشتهم وأصواتهم السياسية وأصواتهم الانتخابية فمن يملك يحكم.

واليوم جاءت رياح التغيير في المنطقة على أجنحة ثورات الربيع فجرى تحريك أدوات الثورات ولكل بلاد ثارت فيها الشعوب ضد طغاتها وظالميها وناهبي ثرواتها ظروفها وأدواتها وجرى ويجري استنساخ تجارب الثورة مع التحسين ابتداءً من تونس ومروراً بمصر وليبيا وسوريا مع الفارق بين تلك التجارب وكله عند العرب ثورات ويكفي أن تقلب الطاولة بغير تأسيس لما بعد ذلك وحدها اليمن أجبرت على السير في طريق مختلفة عن بقية بلدان الربيع العربي، والسبب قربها من خزان وقود العالم ”دول الخليج” وموقعها الجغرافي الهام باب المندب وخليج عدن والبحر العربي كممرات نفط وتجارية عالمية.

واليمن اليوم على مفترق طرق وهي تنتظر بناسها كلهم خاصة أصحاب المصلحة الحقيقية في التغيير نتائج مؤتمر الحوار الوطني التي يفترض فيها ان تؤسس لعقد اجتماعي جديد وتؤدي الى نظام جديد في اليمن غير النظام الذي عرفته منذ بداية القرن العشرين الماضي وليس فقط منذ خمسين عاماً.

الميزان مختل وكفته راجحة بشكل كبير لصالح فئة صغيرة في المجتمع تتمتع بكل شيء ويتم تصميم القوانين والدولة وتشكيل الحكومات وفبركة اللوائح والأنظمة على مقاسات العوائل والفئات المتربعة فوق رؤوس البشر، بداية من حق السير في الشوارع وعقوبات المرور إلى أعلى سلم الدولة والسلطة والفوارق تزيد يوما بعد يوم في ظل انهيار القيم وفقدان الأخلاقيات.

الأرقام مرعبة، فالبطالة تصل إلى 70 % بين القوى العاملة وفقاً لباحثين اقتصاديين، أما الحكومة لا تعترف إلا بـ40 % ومعدلات الفقر إلى 65 % في المتوسط في المدن حسب مركز دراسات بحوث السوق وفي بعض الأرياف وصلت معدلات الفقر الى أكثر من 85 % وهناك أكثر من مليون عامل فقدوا وظائفهم خلال (2011 ـ 2012).

والوضع الإنساني في البلاد كارثي بحسب إحصاءات الأمم المتحدة، فأكثر من عشرة ملايين يمني يعانون من فقدان الأمن الغذائي وأكثر من ثمانية ملايين يعانون من “فقدان حاد للأمن الغذائي” وحتى عندما تتحدث الدولة والحكومة عن تحسين أوضاع وزيادة مرتبات وتقديم خدمات وتوزيع أراضٍ فهي تتحدث عن عيال الدولة والحكومة.

كم عدد عيال الدولة والحكومة في الغالب يصلون إلى 800 ألف أو مليون والباقي عدد السكان الذي يقال أنهم يتجاوزون 25 مليوناً ينتشرون في ربوع الوطن ويتوزعون في تجمعات سكانية هي الأكثر في المنطقة من حيث العدد والأصعب من حيث الحياة ووصول الخدمات إليها هؤلاء الملايين تراهم صباح كل يوم يفترشون الأرصفة والطرقات ويتكومون في جولات المدن الرئيسية والثانوية يبحثون عن قوت يومهم ولا يجدونه ووراءهم بطون جائعة وأجساد عارية وأمراض تبحث عن علاجات وأدوية وطلاب وطالبات يبحثون عن دفاتر وأقلام وثياب ستر العورات.

لا نبالغ ولا نركز على نصف الكأس الفارغة، ففي اليمن الكأس كلها فارغة إلا من قليل أسفلها وهم “قلة قليلة من العائلات المهيمنة على كل شيء إنها شلة أسر متربعة على الكراسي قابضة على مفاتيح المال والقوة العسكرية والسلاح تمارس الفساد والنهب “ببهررة” وقلة حياء وبلا أدب”.. كما عبر بذلك يوماً ما في إحدى مقابلاته د. ياسين سعيد نعمان أمين عام الاشتراكي.

 فلتعلم “عوائل الحكم والقابضين على المال والسلاح“ انه لا ثورات قامت بقوة السلاح والدبابات استطاعت خدمة هذا الشعب الغلبان ولا ثورة شبابية شعبية سلمية تسير في طريق الخلاص، لكن على كل من يستهين بالشعب ويراه لم يبلغ الرشد بعد أن يتذكر ان الشعب بكل فئاته قال كلمته الأخيرة “الشعب يريد تغيير النظام” وإن استطاع الساسة وكبار المناورين والمفاوضين ودهاقنة الصفقات تغيير الشعار.

وأخيراً.. إذا كان الشعب وفئاته المختلفة هم من يكتوي بمحارق الحروب والتصفيات ووجبات القتل والسحل فإننا اليوم أمام مخرج جميل للجميع هو مؤتمر الحوار، فإما مخرجات ترضي غالبية أبناء الشعب أصحاب المصلحة الحقيقية في التغيير والثورات وإما ستمس النار والثورة القادمة التي لا يتصور أحد كيف ستكون أصحاب الكروش والعروش “عوائل الحكم وأصحاب القوة“ وهم الذين نجوا من كل محارق الشعب منذ أكثر من خمسين عاماً.. اللهم إني بلغت اللهم فاشهد..


في الثلاثاء 24 سبتمبر-أيلول 2013 08:24:32 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=22175