قصتي مع أحد المخزنيين الموسوسين في ليلة عيد !
طارق مصطفى سلام
طارق مصطفى سلام

هو زميل لي وهو اعلامي من النوع المثابر والقدير ويجيد مراقبة الاحداث ورصد الاخبار وتحليلها .. وهو ايضا من النوع القلق الذي تسيطر عليه أعراض الخوف والقلق فينقلها اليك بمهارة عالية وعلى الهواء مباشرة لتصيبك من حيث لا تدري أعراض الوسواس القهري ثم تنتقل اليك عدوى الأرق المزمن والتوتر المتكرر أو انه المتجذر فينا والله أعلم !؟ .

هذا الزميل هو في الأصل مولعي خطير للقات ويذهب بعيدا عندما يتحدث في جلسات المقيل وله طقوسه الخاصة في التخزين واليوم تحديدا (وهي ليلة عيد) أتصل بي قلقا ومتسائلا (وليته لم يفعل) ..

فقال لي : هل علمت ان الرئيس هادي غادر اليوم متعجلا إلى جزيرة سقطرى ويقال انها زيارة عادية وتفقدية لأوضاع الجزيرة ولأبناء سقطرى ومشاركتهم أفراح عيد الأضحى المبارك بينما أنا اعرف سر هذه الزيارة والاسباب الحقيقية من ورائها .

قلت له : نعم علمت واعتبرها لفتة طيبة من الأخ الرئيس نحو ابناء سقطرى وشؤون الجزيرة التي تم اهمالها وأبنائها كثيرا وطويلا في الفترة السابقة .

قال متوترا : لا الأمر ليس كذلك ..هناك أمر خفي وخطير من وراء هذه الزيارة المفاجئة للرئيس هادي بينما أنا اعرف سر هذه الزيارة والاسباب الحقيقية من ورائها .

سألته مندهشا : وما هو هذا السر الخطير الذي لم يفصح نه الرئيس ولا اعلامه ؟.

قال مؤكدا: هادي لم يذهب للجزيرة متفقدا لأوضاعها ولأهلها بل هاربا اليها ومحتميا بها من شر مستطير متربص به في صنعاء العاصمة .

شدني حديثه فسألته باهتمام : وما هو هذا الشر المستطير المتربص بالرئيس ؟ لابد انه أمر خطير ولا يجب السكوت عنه ..

فقال : دعك من هذا الحديث وقل لي أولا , ألم تعلم ايضا أن معظم الوزراء وكذلك رئيسهم الاستاذ باسندوة غادروا العاصمة صنعاء إلى الخارج ..

أجبته : وماذا في ذلك ؟ هو أمر طبيعي وعادي خاصة وأن الاجازة هذا العام طويلة وصادف أن تخللتها اجازة عيد اكتوبر ايضا فطالت الاجازة ورغب السادة الوزراء في قضائها خارج البلد و...

فقاطعني محتدا وكأنه يحدث نفسه بل ويصرخ في شيء أخر يجول بمخيلته المتوثبة : انت لا تفهم شيئا .. الموضوع كبير وخطير جدا .. فهناك شخصيات وقيادات مهمة في اليمن كانت قد غادرت البلد قبل كل هؤلاء بفترة بسيطة ..

قاطعته انا هذه المرة في ضيق من الاستمرار في حديث عقيم الفائدة كهذا : اخي ما لنا والناس؟ فهذه الأمور من شؤونهم الخاصة فلكل واحد منا ومنهم مطلق الحرية في قضاء اجازة العيد حيثما يريد ..

رد بعصبية متزايدة : أنت لا تفهم ولا تشعر بالذي يجري حولنا أقول لك ان جميع القادة والمسؤولين غادروا اليمن إلى الخارج ولم يبقى فيها سوى نحن المواطنين والرعية لتصيبنا الكارثة المحدقة التي توشك ان تلحق بنا جميعا ..ولكن قل لي اين انت الأن بالضبط ؟

أجبته مازحا : انا هنا في بيتنا .. في صنعاء العاصمة مع المواطنين والرعية من اهلنا نعالج أمر الكارثة المحدقة التي لا يعلم عنها أحدا سواك ولذلك أنت تتوجس منها كثيرا وتعطيها اهتماما أكبر من حجمها .

فقال مشككا : لا أضنك في صنعاء فالأوضاع فيها خطرة .. بل انت قد غادرتها إلى قريتكم في تعز أو أنك ذهبت لمسقط الراس عدن ؟ .

أجبته ضاحكا : لا لم أفعل ولم أغادر صنعاء مطلقا فهي ارحم لي من الأوضاع التي تعتمل الأن في كلا من تعز وعدن (في اشارة مني لتصاعد الاحداث في تعز بعد جريمة اغتيال الشهيد فيصل سعيد المخلافي شقيق الشيخ حمود سعيد المخلافي والعنف الذي صار في فعاليات احتفال الحراك الجنوبي بالذكرى الخمسين لثورة اكتوبر في مدينة خور مكسر/عدن ).. ألم تعرف ان كارثتك المحدقة قد تمددت وانتشرت حتى اصابت يوم امس كلا من تعز وعدن ؟.

فرد غاضبا : انت تميع الأمر وتخلط الجد بالهزل .. اقول لك أن شخصيات مهمة قد غادرت اليمن في هذه الفترة ..ألم تعلم أن اللواء علي محسن وصادق الاحمر وأخيه حميد جميعهم قد غادروا البلد ايضا ؟ .

فأجبته بلطف لأخفف عنه : نعم , فقد علمت برحيلهم جميعا يا رجل .. واليس هذا هو مطلبك القديم برحيل اطراف الازمة كافة ؟ الان لم يبقى سوى الرئيس السابق علي عبدالله صالح وعليه ان يغادر البلد هو ايضا وعاجلا , فيكتمل طلبك برحيل الخبرة ؟ .

صرخ منفعلا وبهستيريا كبيرة : هو قد فعل .. هو قد فعل ..

فقلت له في تذمر : عن من تتحدث ؟ وماذا فعل ؟ .

أجاب : هذا الالعبان الماكر المدعو عفاش قد خدعهم جميعا وغادر البلد ويظللهم بالقول بانه مريض طريح الفراش .. بينما هو قد سبقهم بمغادرة البلاد والسفر الى امريكا هو الان في مستشفى كليفلاند بولاية أوهايو ..

اجبته مستنكرا : ما هذا الكلام يا رجل ؟ من أين تأتي به ؟ انا متأكد ان الرئيس صالح في منزله بحدة ومصاب بوعكة صحية مباغتة .. فقد قرأت عن ذلك في موقع حزب المؤتمر الشعبي على الانترنت الذي أشار في بيان رسمي إلى أن الزعيم صالح يعتذر عن استقبال جموع المهنئين بالعيد، نتيجة لحالته الصحية جراء إصابته بصدمة برد شديدة ..

صرخ زميلي الاعلامي الجهبذ : انهم يكذبون انهم يكذبون انهم يضللونا نحن بالذات .. الم تفهم بعد كل هذا اللي قلته لك ؟

قاطعته بحدة : يضللون من ؟ .

اجاب في صراخ : يضللونا نحن .. أنا وأنت بالذات .. الم تفهم بعد كل هذا اللي قلته لك ؟ علينا مغادرة صنعاء حالا فلم يبقى فيها سوانا ..علينا أن لا نفكر بأنفسنا فقط بل ننظر لحال أسرنا ونقلق على أولانا , بلغ اخوانك وأهلك بهذا الكلام وعلينا جميعا مغادرة صنعاء هذه الليلة قبل أن يبزغ فجر الصباح ..علينا أن لا نبيت ليلتنا هنا في صنعاء مطلقا فعفاش الماكر قد غادرها ..

صرخت فيه مهسترا ومحاولا انهاء الحديث معه : سوف أفعل .. سوف أفعل حالا .. حاضر يا اخي .. كلامك عين العقل .. كلامك والله انه عين العقل .. ما لي انا وصنعاء ؟ وماذا لي فيها ؟ طالما الرئيس قد رحل عنها , وغادرها علية القوم .. فمحسن قد رحل وصادق قد رحل وحميد قد رحل .. ورحل عنها باسندوة ونعمان ومشهور وكافة رجال الحكومة والبلاط فما لي انا والبقاء في صنعاء والخطر متربص بها ويهددها من كل ناحية ..

قال : وأيش انا اقول لك من الصباح ؟ .

سألته في ضيق شديد : للمرة الاخيرة اسألك هل انت متأكد ان صالح قد غادر صنعاء واليمن يعني قد غادر البلاد كلها يعني هو الان في امريكا ؟ .

أجاب : ايوه أنا متأكد ومصادري قوية ومن اصحابه المقربين ..يعني من الناس اللذين يلتقوا به دائما ...ومن جلسائه الدائمين, بل هم ممن يخزنوا معه دائما بل كل يوم .. انت لماذا لا تريد ان تفهم ؟ .

قلت له متعجلا : مع السلامة .. أصبح لا مجال للحديث وعليا الاسراع بحزم الحقائب واصحي الاولاد وأمهم واسرع بالهرب ..اقصد السفر ..خاطرك ..

وأغلقت الخط وأنا في حيرة من أمري , إلا أنني كنت متوترا وغاضبا ربما بسبب معرفتي المسبقة بارتفاع وتيرة المؤامرات المتتالية لإفشال الحوار الوطني ومخرجاته بل ووأد المرحلة الانتقالية برمتها لضرب مشروع التغيير في اليمن , والتصعيد في سيناريو عمليات الاغتيالات للكوادر الجنوبية المدنية والعسكرية , وكذا تأجيج وتوسيع نشر العنف والفوضى وثقافة الكراهية في المحافظات الجنوبية , هذا المخطط والسيناريو الذي أنتهي برحيل الرئيس هادي إلى جزيرة بعيدة ونائية للاطمئنان على أبنائها أو ليطمئن هو على نفسه خوفا من شيئا ما يلوح في الأفق ولم يفصح عنه بعد لاعتبارات أمنية ووطنية .

نعم في الأمر شيء غريب ما ربما مازال مجهولا وعصي على المعرفة والكشف إلا أنه يعتمل في صنعاء العاصمة وهدفه أسوار دار الرئاسة على ذات النسق والسياق لجريمة الثالث من يونيو2011م وهذا تحديدا ما جعل الرئيس هادي يؤثر التأني والسلامة على التسرع والمغامرة .

وفي الواقع وحقيقة الأمر فأنني أجد فعلا أشياء كثيرة غريبة ومريبة في هذا الشأن تبعث على التأمل والقلق وربما تستدعي الحيطة والحذر .

نعم , ربما زميلي ذلك الاعلامي المثابر قد أغلق سماعة الهاتف (بعد تلك المكالمة الكارثة التي لم تكن تخطر لي على بال) ليحزم حقائبه ويرحل ثم يستغرق في نوم هاني هادي عندما يصل لحال سبيله !, ولكن ماذا عني أنا ؟ وكيف سيهدى لي بال بعد هذا الحديث الشائك ذو الاسئلة الخطيرة والشجون الكثيرة , نعم لقد تمكن صاحب الظنون الغريبة والشكوك العجيبة من أثارة قلقي ومخاوفي , نعم كنت رائق مرتاح هادي البال أقضي ليلة عيد هانئة قبل أن تتمكن مني أسئلة زميلي المشككة بسلامة الوضع الأمني للرئيس هادي وللبلاد والعباد .. والليلة ليلة عيد !

و يا لها من مكالمة غريبة غير متوقعة غيرت المفاهيم وقلبت برامجي للعيد رأسًا على عقب و يا له من حديث اثار المخاوف والوساوس والشجون . وبعد ان كنت قد اويت للفراش ويلاعب جفوني النوم هكذا صار حالي

ولكنني بعد لحظات من التأمل والتفكير في الأمر تمالكت نفسي وقلت في سري مالي ولهذا المجنون الموسوس فالدنيا في خير والا لما ذهب الرئيس هادي لزيارة جزيرة سقطرى البعيدة وترك العاصمة وحيدة اذا لم يكن مطمئنا وكل شيء مرتب .. وقررت ان اشيل فكرت السفر من رأسي وأذهب للنوم مطمئنا استعدادا لاستقبال العيد مبكرا بأداء صلاة العيد (ولكن هذه المرة بدون الاخ الرئيس) ..

الا أنني عدت عن ذلك العزم بعد ان لمت نفسي على تجاوبي مع وساوس وظنون زميلي سابق الذكر أذ كان الأجدر بي أن أعمل على تطمينه عوضا عن مجاراته في حديثه وشكوكه عن الاوضاع السياسية والأمنية في البلد فقررت أن أتصل به وأطمئنه وأثنيه عن السفر خاصة في الليل وان النهار له عينين .. فسارعت للاتصال به قبل ان يشرع بالسفر ..طال رنين جرس الهاتف ..في المرة الاولى وكذلك في المرة الثانية والثالثة لاتصالي به ولم اتلقى جواب.. احترت في الأمر ! هل الرجل قد شد رحاله ورحل مع أهل بيته؟ أم في الأمر شيئا أخر جلل نجهله؟.

إلا أنني رجحت في الأخير أن الرجل لاشك قد عقد العزم وسافر إلى قريته وهو الان في طريقه اليها وبالتالي فهولا يسمع رنين الهاتف بسبب من صخب الطريق فالليلة ليلة عيد والمسافرين يملؤون الطريق ضجيج وازدحام ! .

إلا أنه في هذه المرة (الرابعة) كان هناك من يرد على اتصالي وفوجــئت بأن من يحادثني هو ابنه الأصغر سنا بين أخوته ليخبرني بأن والده نائما !! .

اندهشت ..كيف لذلك الرجل القلق ان ينام أو ان يستكين بهذه السرعة الفائقة المنقطعة النظير؟ فلا هو سافر ولا أنه ظل مستيقظا ليناله الارق ويأخذ كفايته منه بمقدار انزعاجه المزعوم !؟ طلبت من أبنه أن يصحيه بكل الوسائل الممكنة فالأمر جد جلل إلا انه عاد ليخبرني بأن والده لا يتجاوب مع جهوده المبذولة وأنه مازال يغط في نوم عميق ..

يا للهول و يا للمصيبة هل من المعقول أن هذا الشخص الذي ذهب في غيبوبة ويغط الأن في نوم عميق هو نفسه زميلي الاعلامي القدير؟ هو الشخص القلق ذاته الذي كان يحدثني على الهاتف قبل قليل بل قبل دقائق معدودة وهو مفزوعا بل في أشد حالات الخوف والقلق !؟..

رحماك ربي .. ماذا فعل بنا هذا القات اللعين !؟.. وكم اكره هذا المدعو زورا وغرورا ب(قات) و اه كم عانيت من الاستماع لوساوس المخزنين ..

وها أنا ذا اليوم اقرر بقوة أسلافي العظماء ودون أدنى تردد أن أرفض الرد على أي اتصال يأتيني في أخر الليل مهما كان الأمر ومهما بلغ شأن المتصل .. فلا شك انه سيكون أحد الموالعة المخزنيين الموسوسين .

وعيدكم مبارك وسعيد وكل عام والجميع والوطن بخير


في الأربعاء 16 أكتوبر-تشرين الأول 2013 07:15:43 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=22398