عن حكماء حزب المؤتمر والزعيم صالح !
طارق مصطفى سلام
طارق مصطفى سلام

نرى أنه من الحيوي والهام إعطاء عناية خاصة لتلك الرسالة التي تحدث عنها الاخ ياسر العواضي (عضو اللجنة العامة لحزب المؤتمر) وقال أنها رسالة تهنئة شفوية بعثها الرئيس هادي للزعيم صالح بمناسبة عيد الاضحى المبارك , واذا كان حديث العواضي صحيحا فانه من الحكمة والمصلحة العامة التجاوب مع فحوى تلك الرسالة, وإذا كان الزعيم متحفظ على بعض ما جاء فيها, أو أن لديه محاذير ما تمنعه من التجاوب مع تلك الرسالة فهنا يفضل أن يبادر حكماء حزب المؤتمر في التدخل لإقناع الزعيم بالتجاوب مع مبادرة هادي في رسالته أنفة الذكر ..

وليعلم الزعيم بأن قد كان له دورا مشهودا في نفور هادي من حزب المؤتمر المعتدل النهج والقرار ولجوئه إلى حزب أخر غير معتدل ليكون وسيلته في التواصل مع الجماهير وفي اعانته على ادارة شؤون الحكم , وأن في اسلوبه الحالي (ايضا) بالتعامل مع هادي تقديم خدمة مجانية اضافية لكل معارضيه السابقين والجدد وخضوع هادي لهم ..

نعم انه من المحتمل أن يكون هناك اتفاق مسبق وضمني كنا نجهله (وغيرنا يعلمه) بين شركاء الحكم الجدد بأطرافه الثلاثة وقبل العام 2011م , إلا أنه كان هناك ايضا الكثير من الخيوط الممتدة بينهم من سابق وكان يعلمها الزعيم أو انها كانت تتم من خلفه عن تعمد ..كما أن الاسلوب المعروف للزعيم في تعامله مع مرؤوسيه ومنهم هادي كنائب , اضافة لبعض تصرفاته المتجاوزة تجاه هادي في فترة بقائه نائبا للرئيس وتقديم (البعض)عليه في منح صلاحيات ادارة شؤون الرئاسة ومقرها في شارع سيف بن ذي يزن وغير ذلك من التجاوزات .. , كانت جميعها قد استغلت في حينها (مع غيرها المواقف المسيئة لهادي) من الطرفين الفعليين في الحكم الجديد وعلى التوالي لإقامة علاقات ثقة قوية تشترك في ادانة سلوك الزعيم المتجاوزة , كما بني عليها مصالح عديدة ومتشابكة .

ولذلك كانت العلاقة بين الاطراف الثلاثة قوية ومتنامية ومنذ فترة بعيدة يجهل تفاصيلها الزعيم واجهزته الكثيرة المتخصصة .. ولذلك ايضا كان التنسيق مكتملا بين الاطراف الثلاثة قبل بدء الثورة الحالية (أو سمها كيفما شئت) وخلالها ومازال قائما حتى الأن والله وحده يعلم استمراره إلى أي حين ؟ .. بل أن الكثير من مثل هذه الأمور التي يشكوا منها وتتم حاليا كان متفق عليها مسبقا بما فيها تعيين محسن نائبا للرئيس ممثلا للشمال وأن تردد هادي في هذا الجانب أو أنه تنصل من اتخاذ ذلك القرار لاحقا بطرح مبررات موضوعية (أمتعض منها المعني بالأمر ولم يقبل بها) فأثار حفيظة محسن التي يصعب تهدئتها ..

وعلى الرغم من كل تلك العهود والمواثيق القائمة (بين الأطراف الثلاثة) كنت اتوقع الخلاف بينهم وفي اقرب وقت بعد وصولهم لمأربهم في السلطة وبسبب من تناقض ميولهم وتوجهاتهم (المعروفة عنهم ) وتصادم مصالحهم الظاهرة والخفية (غير المعروفة عنهم في مجملها ) لا محالة , إلا أن ما أخر بروز ذلك الخلاف المحتوم هو المعارضة القوية والمفاجئة التي أظهرها الزعيم نحو الرئيس هادي والتي دشنها برفضه للقرار الجمهوري رقم (42) لسنة 2012م والقاضي بإقالة قائد القوى الجوية حينها والذي صدر في يوم اجازة رسمية الجمعة الموافق6أبريل 2012م ..

عموما لا شك من ان الخلاف قائم وحقيقي بين الحلفاء الفرقاء في هذه المرحلة وبدء من حين رفض هادي تعيين محسن رسميا كنائب وحيد للرئيس (لا ينافسه أحد من الجنوب أو من انجال الشيخ الأحمر) إلا أنه عينه مستشار له ولكن بدرجة وصلاحيات نائب للرئيس وباتفاق ضمني مسبق قبل به الطرفين (ولكن بعد تأخير والحاح طويل ترك اثره في نفس الأخير.

وهادي ليس بغبي ويعرف معنى ذلك الأمر , ثم جاءت احداث المنطقة الثانية بالمكلا لتؤكد لهادي خطورة الرجل وعجلت ببروز الخلاف ولجوء هادي للزعيم الخ ...

ان النهج الحالي للزعيم صالح والذي يعكس نفسه على نهج ومسار حزب المؤتمر يلحق اضرار كبيرة بعملية التوافق القائمة وانفراج العملية السياسية برمتها وكذا استقرار وأمن الوطن وفي نفس الوقت لا يخدم اهداف الزعيم في تحقيق التوازن السياسي المطلوب والحفاظ على المصالح وتعزيز موقفه في عملية الصراع المشروعة من أجل البقاء وعلى المدى القريب والبعيد .

ولذلك فأن في تدخل حكماء المؤتمر لدى الزعيم صالح ليقبل بمبادرة هادي الاخيرة فيه تحقيق لمصالح حزب المؤتمر كما أنني اجد في قبولها مصلحة للوطن, إلا أنني أتوجس شرا بعدم تجاوب الزعيم مصدره ذلك التسريب الغريب الذي قام به الزعيم لمحتوى الرسالة فهو بهذا التصرف يعطي مؤشرات مسبقة على قراره الرافض للرسالة المهادنة والتعامل الايجابي مع مضمونها الرصين , حيث أنني أرى فيها معطيات جديدة لانفراج مجمل الازمة السياسية القائمة في الوطن والتي تنعكس بظلالها الكئيبة والمظلمة على عموم الأوضاع في اليمن .

كما ان تصعيد الخلاف مع هادي وعلي محسن وابناء الاحمر كافة والتعامل معهم كحزمة واحدة معادية لا يفيد قضية التوافق والانفراج للعملية السياسية بل ويضرها كثيرا , وتحديدا تصعيد الخلاف العلني مع هادي على رئاسة حزب المؤتمر هو امر غير مجدي ولا يخدم أي اهداف حزبية أو سياسية على الأرض , وكان من الممكن وضع الحلول لهذا الخلاف وايجاد المخارج (بسهولة) التي يمكن ان يقبل بها الطرفين (هادي وصالح )ويعجل باستقرار الاوضاع السياسية في البلد ويوجه ضربة موجعة للأيادي التي تلعب في هذا الجانب ومن مصلحتها استمرار هذه الاوضاع المنفلتة في اليمن لتعيث في الارض فسادا .

و يا حكماء وعقلاء المؤتمر .. ارجوا ان تسرعوا ببذل جهودكم ومساعيكم الحميدة لإقناع الزعيم صالح بالتعامل الايجابي مع فحوى رسالة هادي خاصة ما يتعلق برغبته بالاجتماع باللجنة العامة بعد اجازة العيد , كما أرجو ان يقوم الزعيم صالح بتوجيه اعضاء اللجنة العامة كافة بالتزام الحضور للاجتماع والتجاوب مع اي نقاط يطرحها الرئيس هادي في ذلك الاجتماع القادم ( ومن هنا تحديدا كان يفترض أن يبدأ الحوار الوطني الشامل لا من قاعات فندق الموفنبيك المرفهة ), وبهذا السلوك والنهج القويم سوف يتمكن الزعيم صالح وحزب المؤتمر من توجيه رسالة قوية تطمن هادي ومحيطه السياسي بسلامة المسار وتحبط الحريصين على استمرار غياب الدور الفاعل للمؤتمر في الحياة السياسية واستمرار النزاع بين الرجلين .

طبعا بإمكان الزعيم صالح ان يرفض التجاوب مع دعوة هادي للتهدئة والوفاق ويفضل استغلال هذه الفرصة المتاحة للمناورة بشكل اخر يعتقد انه افيد للحزب ولمصالحه وفي تعزيز فرصه في البقاء ورئاسة الحزب, وهنا سيفضل الزعيم التقارب مع الاطراف الأخرى المعارضة له وإهمال الرئيس هادي وايضا هناك عوامل اخرى تتيح مثل هذا التفكير والسعي لذلك التقارب والتحالف ومنها الخلاف القائم حاليا حول مخرجات مؤتمر الحوار التي يتم الاعداد لها وخاصة في بعض فرق العمل وأهمها القضية الجنوبية وحسم شكل الدولة القادمة وعدد الاقاليم الذي تعكسه عند الاطراف الشمالية المخاوف من الانفصال والموقف من الوحدة القائمة , ولدى الاطراف الجنوبية حديثهم عن ضمانات تنفيذ مخرجات الحوار .. الخ وهنا سيجد الزعيم نفسه أقرب لأطراف أخرى وبالتالي سيفضل التعامل معها ..

ولكن على المدى البعيد هذا ليس من مصلحة الزعيم صالح وحزبه كما أنه ليس من المصلحة الوطنية ويقوض من فرص تعزيز الوحدة اليمنية , اولا بسبب من الموقف الدولي الذي يفضل التعامل مع نهج هادي الذي يضنه عقلانيا ومتوازنا , ثانيا انعكاس مثل ذلك الموقف والقرار على الاوضاع المحلية وعلى مجمل الموقف الوطني حيث سيظهر ذلك التقارب وكأنه تحالف واصطفاف شطري مقابل الشطر الأخر وسيؤجج من مشاعر العداء بين الجنوب والشمال وسيكسب هادي في هذه الحالة المزيد من التعاطف الشعبي والمحلي والاقليمي والدولي ..

والاهم في الأمر أنني لا أجد أي مصداقية مقنعة أو معطيات موضوعية لدى الطرف ذلك الأخر تؤهله للتحالف في هذا الجانب , حيث سيتم التعامل مع رغبة الزعيم بمناورات تكتيكية وأهداف برجماتية مرحلية , وهنا فمن المؤكد اختلال المعادلة لصالح الطرف الأخر الذي لديه المعطيات والمقومات ليلعبها بمهارة أكثر من الزعيم وعلى عكس ما يأمل ويرغب, حيث سيتم استخدام الزعيم وحزب المؤتمر مرحليا وكفزاعة لمعظم القوى السياسية في الساحة ليتم ابتزازها بما فيها هادي ذاته .

مع العلم أنه في نهاية المسار لهذه الحالة سيتم توجيه الضربة القاضية للزعيم وحزب المؤتمر ولسبب بسيط جدا , لأن هذا الطرف لا يمكنه (في هذه المرحلة تحديدا) من اقامة علاقات تحالف برامجية أو رسم اهداف مشتركة مع حزب المؤتمر قائمة على الثقة والرؤية المتبادلة بسبب من تعارض المصالح وتقاطعها في سعية للاستحواذ على السلطة هدفه الاول الاخير في هذه المرحلة الهامة وفي المرحلة اللاحقة .

ونسأل الله الهداية والتوفيق للجميع لما فيه صالح الوطن وامنه واستقراره وأن يحفظ الوطن وأهله من كل مكروه وشر.


في الأحد 20 أكتوبر-تشرين الأول 2013 03:33:51 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=22424