مدافن نووية في اليمن
منير الماوري
منير الماوري

 مأرب برس – واشنطن – خاص

لم أكن أعرف سر الحماس الغريب لتوليد الكهرباء في اليمن بالطاقة النووية إلى أن قرأت مذكرات المستشار الألماني السابق جيرهارد شرويدر الذي تحدث في بعض صفحات الكتاب باسهاب عن المشكلة التي تعاني منها ألمانيا وغيرها من الدول المتقدمة في التخلص من النفايات الذرية بعد تراكم استخدام الطاقة النووية لسنوات طويلة.

طبعا لم يتطرق المستشار الألماني إلى إمكانية تحويل اليمن إلى مكان للتخلص من النفايات النووية الأوروبية بل أشار إلى أن بلاده توقفت عن بناء محطات نووية ولجأت إلى بدائل أخرى لا تشكل خطرا على البيئة وعلى صحة البشر، كما تطرق إلى ضرورة التعاون مع روسيا لدفن النفايات في أماكن بعيدة عن التجمعات السكانية " مثل سيبيريا مثلا". ورغم عدم ورود اسم اليمن حتى الآن في الوثائق الرسمية كمدفن محتمل لنفايات الآخرين النووية إلا أن معرفتنا الأكيدة بمرونة الذمة التي يمتع بها مسؤولونا ومدى استعدادهم لبيع البلاد والعباد بأرخص الأثمان‏، يجعلنا ندق ناقوس الخطر لتمحيص أسباب الحماس النووي في ظل وجود بدائل آمنة كثيرة يمكن أن تحل مشكلة نقص الطاقة الكهربية في اليمن بشكل جذري بعيدا عن المخاطر إذا ما توفرت الجدية لدى الحكومة.

وكما يقال في المثل الدارج "إذا عرف السبب بطل العجب" فيمكن القول إن العمولات النووية أسرع تكاثرا وأكبر حجما من العمولات العاملة بالغاز أو بالطاقة الشمسية ، كما أن السمسرة والعمولات المتوقعة من استقبال نفايات الشركات الأوروبية والأميركية والكندية النووية سوف تدر مليارات الدولارات بدلا من ملايين الدولارات على الضالعين في بيع بلادهم تحت غطاء الحصول على مفاعل نووي متهالك أو معدات انتهت صلاحيتها تريد بعض الشركات التخلص منها بدفنها في أرض اليمن في وضح النهار.

المسألة هنا خطيرة جدا، وتمس الأمن القومي والأمن الشخصي لكل مواطن يمني، ولذا فالمطلوب من كل من لدية ذرة ضمير سواء كان في السلطة أو المعارضة أن يقف بصوت عال ضد مشاريع السمسرة النووية الغامضة، لأن نسبة الإصابة بالسرطان والتشوهات في اليمن أصبحت تنذر بالخطر قبل بناء المفاعل المزعوم فما بالنا لو أصبح في أرضنا مفاعل تديره حكومة غير شفافة ومسؤولون يجري الفساد في أجسادهم كجريان الدماء الملوثة به في عروقهم.

بإمكان وزارة الكهرباء أن تركز على إنتاج الطاقة الكهربية عن طريق الاستفادة من احتياطات الغاز الهائلة التي تتمتع بها اليمن إضافة إلى البدائل الأخرى الآمنة، أما أن يقفز مسؤولونا فجأة إلى توليد الكهرباء من الطاقة النووية فإن هذا الأمر يثير التساؤل عن مصلحتهم من عوائد السمسرة في هذا المجال، ويحتاج ذلك إلى وقفة جادة من قبل أحزاب اللقاء المشترك، ومنظمات المجتمع المدني وشرفاء الحزب الحاكم، لأن الأمر قد يتجاوز سرقة أموالنا إلى نزع أرواحنا. كما يجب على الدول المجاورة أن تستيقظ وتراقب ما يجري في اليمن لأن الخطر الصحي المتمثل في دفن النفايات في الأرض اليمنية سيتمتد دون أدنى شك إلى مواطنيهم، ويجب منع الجريمة قبل وقوعها.

ولهذا السبب فإني أوجه هنا بلاغا إلى مجلس النواب اليمني للتدخل هذه المرة ووقف المهزلة عن طريق إجبار الحكومة على الأخذ بالوسائل التقليدية حفاظا على سلامة الأجيال القادمة، فمسألة الطاقة النووية لم تعد مجرد مزحة انتخابية بل تحولت إلى مفاوضات سرية وعلنية مع شركات تتفنن في التخلص من نفاياتها في بلدان العالم الثالث ولا نريد من اليمن أن يصبح بلدا للنفايات النووية، مقابل إيهام المواطن اليمني أن هذا هو الحل السحري لمشكلة انقطاع الكهرباء.

ومثلما تقف الأفكار غير المنطقية عاجزة عن تقديم الحلول الواقعية فإن المناشدات الغريبة والإعلانات الشاذة لن تسرع في حل المشكلة. وأذكر هنا أن الفضائية اليمنية تبث في رمضان إعلانا غريبا من نوعه تناشد فيه الحكومة أصحاب ورش النجارة واللحام والمصانع الصغيرة بالتوقف عن تشغيل معداتهم التي يكسبون بها رزقهم البسيط بحجة أن مولدات الكهرباء عاجزة عن تلبية الطلب الحاد على الكهرباء، وحذرت الحكومة المواطنين من أن الإطفاءات سوف تتزايد خلال الأيام المقبلة طالبة منهم الإقتصاد في إستهلاك الكهرباء.

الغرابة هنا ليست في بث الإعلان على شاشة فضائية موجهة أصلا للمهاجرين في الخارج الذين لا يعانون من إنقطاع الكهرباء، ولكنها تكمن في عدم توجيه المناشدة للمسؤولين اليمنيين الذين لديهم في مساكنهم وقصورهم أجهزة كهربائية من مختلف الأصناف الضرورية وغير الضرورية ومسابح ساخنة يستهلكون بها قدرا كبيرا من الطاقة دون أن يدفعوا ريالا واحدا من فواتير الكهرباء التي لا ندري هل ترسل إليهم أصلا أم لا، وكل ما نعرفه هو أنه لا يوجد وزير يمني واحد لا حالي ولا سابق يدفع تكاليف ما يستهلكه من كهرباء. وأعتقد أن الحكومة لو بدأت بقطع الكهرباء عن المسؤولين المتخلفين عن دفع فواتيرهم لحلت مشكلتين عويصتين أولهما مشكلة الإنطفاء المستمر للكهرباء، وثانيا مشكلة التزايد السكاني الناجم عن إنطفاء الكهرباء، إلا إذا كانت الحكومة تهدف أصلا إلى حل مشكلة التزايد السكاني عن طريق تعريض الرجال لإشعاعات نووية تصيبهم بالعجز المنوي، أو تحويل البلاد إلى مدفن كبير للنفايات النووية للتخلص من مشلكة البطالة عن طريق القضاء على السكان.

مشكلة مؤسسة الكهرباء في اليمن المزمنة هي أن المواطن وحده يدفع فواتير الكهرباء بينما يعفى من هذه المهمة كبار المسؤولين والقادة العسكريين، ومن لا تجرؤ المؤسسة على إرسال إنذارات تهديد القطع إليهم، وبالتالي فإن المؤسسة تتكبد خسائر سنوية هائلة لا تستطيع بسببها مواكبة التزايد السكاني والتوسع العمراني والطلب الكبير على الطاقة. ولكن بدلا من التفكير العقلاني في حل المشكلة بطرق عملية تحقق المساواة بين المواطن والمسؤول، وجدنا من يطرح حلولا غير منطقية لا تتناسب مع أوضاعنا، من بينها توليد الكهرباء بالطاقة النووية، وهو الأمر الذي سيجعل إنطفاء الكهرباء في النهاية من الثوابت الوطنية لتسهيل استفادة المواطنين من الطاقة المنوية تشجيعا للإنتاج السكاني.

ورغم المخزون الهائل من الغاز الذي نستطيع أن نقيم به أضخم المولدات الكهربية علاوة على وجود بدائل أخرى من بينها طاقة الرياح، والبخار، والطاقة الشمسية إلا أن وزارة الكهرباء تخطت كل ذلك وبدأت محادثات مع أخينا البرادعي لإبلاغه أننا سندخل العصر النووي.

* كاتب ومحلل سياسي يمني مقيم في واشنطن

almaweri@hotmail.com

 


في الأحد 23 سبتمبر-أيلول 2007 04:09:23 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=2578