آزال اليمن
جاسم عباس

اليمن بلاد طيبة منذ العصر البرونزي أي 3000 ق. م ومازالت سعيدة طيبة، حيث يشتق اسمها من 'يمنات' بمعنى 'اليمن' والخير، لان ارضها منبت الخيرات الكثيرة من الاشجار والنباتات والمياه الغزيرة، وايضا يعني اسمها 'البركة'، واليونانيون اطلقوا عليها 'بلاد العرب السعيد' Arabia Felix ، ويقال كذلك انها سميت باليمن لوقوعها الى يمين الكعبة المشرفة.

وقد التقينا في صنعاء زكريا احمد محمد هاشم الذي يعمل دليلا سياحيا، فقال: صنعاء اقدم مدينة بن يت على وجه الأرض، أول من وضع حجرا لبناء سكن في هذه العاصمة هو سام بن نبي الله نوح (عليه السلام)، ويؤكد بعض علماء التاريخ ان الذي بناها هو 'شيت بن آدم أبي البشر (عليه السلام)، واما اضافة البيوت فجاءت على يد شراحبيل الحميدي، ثم جاء آل شرح يحصب، وتعاقب على صنعاء يونان ورومان وفينيقيون والاحباش والفرس حتى فتح الله عليهم بالاسلام.

وقال زكريا هاشم: كما ذكر ايضا في التاريخ ان كلمة صنعاء نسبة الى صنعاء بن ازال بن عامر بن شالخ، وقيل ايضا انها سميت بهذا الاسم لان 'وهرز' قائد الفرس قدم الى اليمن لنصرة سيف بن ذي يزن وحارب الحبشة وقتل ملكهم، ولما دخلها قال: صنعه - صنعه.

أبنية عريقة

وتحدث عن ارض اقيمت عليها حضارات وعمران وقد ذكرها سبحانه وتعالى في القرآن الكريم 'لقد كان لسبأ في مسكنهم جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور'.

واما اليمنيون فيقولون ان ارضنا معقدة من الاحجار البركانية، وطبقات صخرية صوانية ورخامية شكلت عليها الجبال الضخمة والاودية والهضاب المرتفعة ما بين 2000 - 3000 متر فوق سطح البحر، اما

صنعاء المدينة، التي كانت تسمى في الجاهلية 'ازال'، فترتفع حوالي 7000 قدم، وبراكيننا تسمى 'الحرات' او الحرار، ومفردها 'حرة'.

وقال: لانها مدينة قديمة تعود الى آلاف السنين فأبنيتها لا مثيل لها، فكل عمارة او بيت يعتبر نموذجا فريدا من التراث العالمي ومتحفا يجذب الناظرين في الروعة والجمال والامكانات الهائلة وبراعة الهندسة التي شيدتها على هذه الصورة الغنية بالزخرفة والنقوش. وتحدث عن هذا السور التاريخي الذي لايزال صامدا وقائما ولا تمسه يد الدمار والهدام، سور له ستة ابواب حول المدينة القديمة، كانت تقفل في الليل حفاظا على الاهالي، ويمنع دخول الغرباء الا بمعرفة ساكنيه، ابنية تشم منها رائحة التاريخ العربي الاصيل، وتذكرك وتعيدك الى الحضارات والدهور التي مرت وتعاقبت على صنعاء.

وقال: بنيت هذه البيوت من الحجر البركاني المربع، والنافذة التي تسمى 'قمريات' تتكون من الجبس الابيض مزخرف بزجاج عليه اشكال هندسية فريدة من نوعها، فإذا دخلتها اشعة الشمس تشكل داخل الغرفة مناظر جميلة خلابة يشعر من سكنها بالمرح والفرح، وكل بيت عبارة عن خمسة او ستة طوابق، الادوار العليا للرجال والوسطى للنساء، والسفلى للمخازن، ولا يمكن لمالك اي بيت ان يغير او يعدل او يرمم الا بالطراز والشكل نفسيهما حفاظا على القديم.

واضاف: هذا اليمني ما زال يباهي الامم العريقة بتاريخه القديم الغني بالمساجد التاريخية اكثر من مائة اسس اقدمها سنة 6 هجري على يد الصحابي 'وبر بن يخنس الانصارى' وفيه مكتبة من ايام الخليفة الثالث، عثمان بن عفان رضي الله عنه ومسجد الاخضر 'خضير' الذي عمره مطر الهمداني وزاد في بنائه القاضي محمد بن حسين الاصفهاني ومسجد الابهر القديم ومسجد الصحابي فروة بن مسيك المرادي، وصنعاء غنية بالحمامات العامة القديمة التي ما زالت تستقبل روادها واهمها: حمام الميدان وباسر، وحمام سبأ والطواشي، فهذه الحمامات غالبا ما تستعين مياهها من الينابيع الحارة المتدفقة طبيعيا داخل الارض، وقد خزنت هذه المياه في برك فوارة من الطين لتكون طبيعية، تنشأ هذه الينابيع الحارة تحت الصخور اليمنية التي هي غنية فيها وعلى ارضها وجمالها.

وقال: ان هذه الحمامات وينابيعها تشفي المرضى بإذن الله وبعضهم يقوم بشربها، وتعتبر اليمن بلد المنتزه للينابيع الحارة منذ القدم، والان تتمتع بامكانات طبيعية للسياحة العلاجية من خلال توافر العديد من العيون الكبريتية والحارة فهذا حمام صبو والطوير، وسيان وحمام علي.

الأسواق القديمة

صنعاء فيها الكثير من المعالم التاريخية والمواقع الاثرية ولكن عراقة اسواقها تعتبر من عجائب الاسواق في العالم، تدخل اسواق صعناء القديمة، ومنها سوق باب اليمن حيث البوابة التاريخية، فتجد فيها الحرف اليدوية القديمة والحديثة التي توارثها اهل اليمن، سوق فيه اكثر من ثمانين حرفة وتسمى كذلك بسوق الملح وسوق البذر والصرافة والنحاس، وسوق الفضة والحلي، وسوق الحديد والبن اليمني الشهير، وسوق القشر بحيث لا يخلو اي بيت يمني من مخلفات القهوة اليمنية، والتوابل اليمنية لها قصة مع سيدنا سليمان عليه السلام عندما ارسلت الملكة بلقيس هداياها اليه. من هذه النوادر الفخمة والطيبة والنادرة، نعم صنعاء اخذت اسمها من كثرة الصناعات، نعم انها عاصمة الروح كما قال احد الشعراء في قصائده:

'هي عاصمة الروح ابوابها سبعة

والفراديس ابوابها سبعة

كل باب يحقق امنية للغريب

سلام عليك سلام على صنعاء

سلام على كل البشر'

وقال احدهم ايضا:

'مكة عاصمة القرآن

باريس عاصمة الفن

لندن عاصمة الاقتصاد

واشنطن عاصمة القوة

القاهرة عاصمة التاريخ

بغداد عاصمة الشعر

دمشق عاصمة ا لورد

وصنعاء عاصمة الروح

صنعاء طيبة أهلها

لله در من حلها

الأبواب من حولها

مبنية بجهد الرجال'

أسواق كثيرة شعرت بها كزائر ولا أدري من أين أبدأ؟ ومن أين أكتب؟ عن البن اليمني أم العنب اليماني، أو السيف والخنجر أو الرماح الردينية والعقيق اليمني من عروق الجبال، كل ما أقوله إن الماضي التليد والحضارة العريقة والجهود المخلصة المحبة لأرضها والأيدي الأمينة، والمشاهد الرائعة تجدها في هذه الأسواق، ولكن حسن التعامل والضيافة من أصحاب المحلات في هذه الأسواق لا تجدها إلا بين هذا القديم وفي هذا العريق، أسواق تقوم بدور فعال ومؤثر في الحياة الاقتصادية، ومتوافرة في هذه الأسواق مقومات السياحة وما يحتاج إليه السائح أو المواطن، أسواق تساهم في الدخل القومي وتجذب السياحة ورؤوس الأموال، أسواق تستوعب أعدادا من الأيدي العاملة جعلت من اليمن بلدا سياحيا جاذبا للزوار بقصد الشراء والتنزه والترفيه.

في هذا السوق نتذكر المراكز التجارية التي كانت عليها اليمن من صنعاء ومعين ومأرب، وشبوة، وحضرموت، ومأرب، استقطبت كل أنحاء الجزيرة، كانت محطة التقاء التجار من آسيا وافريقيا، أسواق تقليدية حتى اليوم تمتاز بالجودة والذوق الرفيع.

هدايا الملكة

وفي جولتنا في الأسواق القديمة سألنا تاجر التوابل السيد أكرم علي الصنعاني عن تاريخها وأهميتها فقال: كانت بضاعة غالية التكلفة وكانت الضرائب تفرض عليها، واصبح وزنها يساوي الذهب، فكيس منها هدية للملك، فهذه بلقيس ملكة سبأ أهدت سيدنا سليمان (عليه السلام) إبلا محملة بالتوابل، وكانت للأغنياء والملوك فقط، فالبحارة كانوا يشدون رحالهم إلى اليمن والهند ليملأوا سفنهم من التوابل، ورحلات كثيرة مشهورة في العالم دفعت لأجلها.

التوابل اليمنية

وقال: اليمنيون هم الزراعون والوسطاء في تجارة التوابل لأن أرضهم غنية في هذه النباتات فبراعمها وجذورها وسوقها ولحاؤها طعام يثير الشهية ويجلب النكهة، ولعبت توابل اليمن دورا كبيرا في تاريخ الشرق والغرب، توابلها لها رائحة الأريج والعبير، وتحتوي على حالة زيتية ذات مذاق طيب، ونكهة معطرة إذا وضعتها في الطعام انبعثت منه رائحة يسيل لها اللعاب، وهذا دليل التأهب للطعام اليمني الغني بتوابله، وحتى الإضاءة والإنارة كانتا من زيت التوابل خاصة قصب الذريرة والقرفة والبخور. واضاف: اليوم فقدت قيمتها فأصبحت تباع بسعر التراب، ولكنها غنية على الموائد، فتكسب الأكل متعة الشهية والإثارة، وأهمها: الفلفل على رأس التوابل فهو الأغلى، القرفة: لحاء أشجار ذات أوراق دائمة، زيتها هوالعامل الرئيسي في مفعول التوابل، وهو المنشط والمقوي والمعقم والمضاد للتعفن. أوراق الغار: فهي رمز للنصر والمجد والعلاج وزينة للتوابل.

القرنفل: حبته توضع في فم الذين يريدون مخاطبة الملك حتى يخرج الكلام نقيا، ويعلق القرنفل في خزانات الملابس، فالتوابل مطهرة ومخدرة لطيفة، الينسون: كان يعتبر عملة قانونية يسدد بها جزء من الضرائب، له فؤائد طبية في التوابل يكافح الالتهابات، ويقضي على الزكام، بمفرده يحير العقول خاصة في علاج فقر الدم.

جوزة الطيب: تستعمل مع التوابل، واذا وضعت جوزة واحدة مع مائة غرام من الفلفل الاسود مثل القرنفل والقرفة تسمى 'الدقة'.

قصب الذيرة: من التوابل الرئيسية يرش على ارضيات الكنائس قديما في الاحتفالات وله عطر حلو.

الشبت: وهو المهدئ ذو القيمة الكبيرة.

الكراوية: عشب رائحته معروفة، هاضمة ومسكنة اذا اضيفت الى التوابل تدر حليب النساء.

البراعة في صنع الفضيات

انتقل بنا هشام الى سوق الفضة الشهير وهو من اسواق صنعاء القديمة وداخل سوارها، فترى تمسك اليمني بجذوره العريقة وتجد البراعة والابداع في صناعة الفضيات، فتعيش سحر الماضي. واهمها عند التجار المشهورين وبأيدي صناع مهرة مثل: 'البوسانية' و'البديحية' اللتان اشتهر بهما يهود اليمن، ثم تأتي صناعة 'المنصوري' و'الاكوعي' و'الزيدي'، ولا تجد قطعة منها الا عليها لفظ الجلالة، واسماء الرسول صلى الله عليه وسلم، والآيات القرآنية.

وما زال اليمني بارعا في صناعة الفضيات والعقود وتطريز الملابس والادوات الفخارية، فهذه الصناعات في اسواق اليمن عبارة عن تراث شعبي يمني مجسد للهوية الوطنية على ايدي ابناء بلاد السعيد.

واخيرا، عرفتنا هذه الجولات على اكثر من 40 سوقا متخصصة في المنتوجات اليدوية والآلية، واسواق الجلدية عددها 22 سوقا، وعلى الرغم من التطور في عالم الصناعات فان هذه الصناعات قائمة وصامدة امام الماكينات الصناعية الاقتصادية، وتجد في هذا السوق، الذي يعتبر جزءا من سوق الملح داخل السور، سوق البنادق المصنوعة من الفضيات التي يعود تاريخها الى ما قبل اربعمائة عام عندما دخل الاتراك اليمن، بنادق مطرزة بالعقيق والزخارف، ومحلاة بالفضة والصدف، وصناديق خشبية مرصعة بالعقيق اشتهرت بها ايد يهودية.

أصبنا بالدهشة والاعجاب من هذه الفضيات البديعة التي تتحدث بالاصالة وعبق التاريخ منها 'الختم' و'المحافظ' والمكامل' و'العنايش' عبارة عن سلاسل من الفضة، و'الدقة' لتزيين الصدر، و'المعصب' لعصابة الرأس، و'البليزق' و'المشاقر' اخراص للاذن والحزام، وتجد في الاسواق القديمة الفوانيس النحاسية المطرزة بالفضة، والاباريق الخاصة بالقهوة، والمباخر على اشكال الغزلان والثعابين التي تجذب الزوار.

واليمني البائع يقنع السائح بلبس 'الثوم الفضي' و'الثوم العادي' عليه الحروز الفضية وفيه آيات القرآن الكريم التي تحرس الانسان من الشر والحسد، والخلاخل الفضية، وبخانق العنق، والسيوف اليمنية الفضية المشهورة.

واقول كزائر لهذه الاسواق: إن ارتفاع الاسعار يحول دون الشراء، وحتى البائع لا يظهر الفضة الجيدة.

  *القبس الكويتية

 


في السبت 29 سبتمبر-أيلول 2007 04:03:42 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=2619