عقيدة المقاومة: الزهار رائداً د
أ. د/أ.د.أحمد محمد الدغشي
أ. د/أ.د.أحمد محمد الدغشي

مأرب برس – خاص

كلما أنعم المرء النظر في رجال المقاومة والجهاد في فلسطين السليبة فلسوف يزداد ثقة بأن هذه الأمّة لا تنهزم وقد أنجبت أمثال القائد الفذّ أبي خالد محمود الزهار، بعد أن صدق ما عاهد الله عليه شيخ الشهداء أحمد ياسين وتلميذه عبد العزيز الرنتيسي. وقافلة الشهداء من مختلف المستويات والأعمار مستمرة، وثمّة من ينتظر أمثال أبي العبد إسماعيل هنيه، وأبي الوليد خالد مشعل، وآخرين يتعذّر حصرهم. وكلّما ظن العدو الغاصب أنه قد أوشك على القضاء على قائد لا يتكرّر إذا بأرحام أمهات فلسطين تدفع بالعشرات نواة لقيادة الجهاد والمقاومة، وهكذا تستمر جذوة الجهاد مشتعلة، رغم التآمر والاغتيالات والاعتقالات والحصار والتجويع الخ.... 

  أتأمل الطلعة البهيّة للقائد أبي خالد الزهار في سعيه النشط من أجل قضيته، فيتسامح مع مّن اشترك في دم ابنه متواطئاً – على نحو أو آخر- مع العدو لاستئصال شأفة حماس وقادتها وأبنائها وفي مقدِّمتهم الزهار ونجله، وإن ذرفوا دموع التماسيح بعد ذلك، لكن أبا خالد يقابل ذلك بقلب كبير يستعلي على الجراح، ويعمل على توظيف ذلك الاتصال الهاتفي اليتيم– الذي بدا أنه مريب عقب خبر محاولة اغتيال أبي العبد هنيّه- لأجل القضية فأجدني متسائلاً: أحقّاً هذا هو الرجل الذي للتو فقد نجله الثاني في واحدة من المجازر الأخيرة للعدو الغاشم؟أتساءل – ومعي كثيرون- هل استفاق الرجل من صدمة الحَدَث الفاجعة بعد؟ كيف يقوى أبو خالد – وهو واحد من ضحايا الحصار والإغلاق ومسلسل التآمر- على أن يقدّم اعتذاراته للشقيقة مصر عما بدر من بعض الثائرين على ظلم الحصار والإغلاق تجاه بعض الجنود المصريين الذين حاولوا منع المحاصَرين من العبور؟ أيملك – وهو المكلوم بنبأ استشهاد فلذة كبده الثاني- ذهنية الدبلوماسي وعقلية المحاور الذي يفوِّت على المتربصين بالعلاقة بين البلدين، الذين يسوؤهم أن تتنبه مصر لضرورة قيامها ببعض الواجب تجاه أشقائها– ولو مؤخرا تحت ضغط أحرار غزّة-؟ ثمّ تراه يقود المفاوضات مع الجانب المصري حول معبر رفح كأكفأ ما يكون القائد في موقع التفاوض، ليخرج بتصريحاته إلى الإعلاميين حول مسار التفاوض، بوجه باش، مبدياً تفاؤله رغم شبكة العوائق، مصمماً على تجاوزها ، مشترطاً أن تنحصر مسئولية المعابر بين مصر وفلسطين، دون أن يكون للعدو الصهيوني أية صلة بها.

  أمضي في تأمّلي وكأني بأبى خالد يأبى إلا أن يحتل موقع المعزّي والمواسي والمعتذر -إلى جانب القائد المجاهد - في يوم عزائه ، وكأنه – وحده- لابواكي له، ولكن – لتعلم أبا خالد – أن الأحرار جميعهم يبكون استشهاد نجل أبي خالد، غير أنه بكاء تختلط فيه دموع الفرح بقائد أنجب مجاهداً تلو آخر، مع دموع الحزن لهذا الظلم المضروب على الكبار والعظماء، على حين يحتفي المستكبرون وحلفاؤهم بالزعانف وأشباه الرجال!

حينها لا يسع الحرّ إلا أن يستحضر قول القائل:

تموت الأسد في الغابات جوعاً ولحم الضأن تأكله الكلاب

لك أن تقارن بين هذا المشهد الفذّ للزهار إذ يقدّم ابنه في سبيل قضيته وبين أحد أبرز قادة الخيانة هناك، إذ يستغل موقعه ليمكّن ابنه –بحسب مصادر إسرائيلية نقلتها قناة العربية على سبيل المثال - من الحصول على امتياز شركة اتصالات جديدة، متوسِّلاً بولائه المكشوف بـ (ألمرت) ليعمل على تسهيل الترخيص لنجله !

 

 

إن الأمر لم يعد مجرّد شعارات يطلقها هذا الطرف أو ذاك، بل لقد غدا واقعاً يتحدّث عن نفسه على الأرض، على مستوى هذا الطرف أو ذاك، وبذلك انكشف ما تبقى من ورقة التوت، ولم يعد هناك من إمكانية لتزييف وعي كل ذي صلة بالقضية – فضلاً عن أبناء فلسطين- .

مشهد المقاومة وقادتها في فلسطين سواء منهم من قضى نحبه أومن ينتظر ينبئك بأنه منطق يستعصي على أن يستوعبه المادّيون الغارقون في التهافت على المصالح الذاتية والمكاسب الدنيوية، بل وحدها العقيدة الإيمانية قادرة على تقدّيم منطقً مقنع بأن اللّه وحده والدار الآخرة، من وراء هذه التضحيات بالغالي والنفيس، وصدق الله: 

{ تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لايريدون علوّا في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين}

( القصص:83 )

{ والآخرة خير وأبقى }( الأعلى: 17 )

{ وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون}( الأنعام:32)

{ قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا} ( النساء: 77)

{ وما عند الله خير للأبرار}( آل عمران: 198 )

أمّا الدرس الذي لابد أن يدركه كل مخلص واعٍ فهو أن الجهاد لا ينحصر في ميدان وحيد للمعركة هو ميدان السنان، حين كانت تحتدّ السيوف، وتتكسّر النصال على النصال، في غابر الأيام، أو حين تتلعلع زخات الرصاص، وتصطرع المجنزرات ، وترسل الطائرات حِممها، و الصواريخ قاذفاتها اليوم ، غير أن ذلك –على أهميته- لا يعني أن ليس ثمّة ميادين وجبهات أخرى عديدة للمعركة، سواء كان ذلك على صعيد الكلمة، أم المال، أم التوعية والتثقيف، أم التربية والتكوين، أم غير ذلك مما لا ينفد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

{ من المؤمنين رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا} ( الأحزاب:23 ).

* أستاذ أصول التربية وفلسفتها المشارك – جامعة صنعاء


في السبت 09 فبراير-شباط 2008 08:06:55 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=3313