عاصفة الحزم: وماذا بعد؟..
احمد عبد الله مثنى
احمد عبد الله مثنى

مشهد دراماتيكي مثير جدا للغاية، منذ أحداث دماج مرورا بعمران، ثم اقتحام صنعاء، ثم ما تلاه من أعمال وسيطرة للحوثيين والأمور تسير بسرعة الضوء، حتى إن الحدث ما إن يحدث في الصباح إلا ويكون في العصر قد أصبح خبرا منسيا لأن مشهدا جديدا قد تشكل، وهكذا كانت تدور عجلة هذا المشهد، في تتابع مخيف جدا،نهاية بهروب الرئيس ووزير دفاعه، ثم سقوط العند العنيد ليكون حدثا مفاجئا للجميع، وفي وسط هذا المشهد المثير كان الجميع ينادي بالضغط على الطرف المحرك للصراع ممثلا بالرئيس المخلوع وحلفائه الحوثيين الذين تصدروا المشهد بكل وقاحة وهمجية، فما تركوا شيئا من صفات الهمجية إلا وارتكبوها، في غطرسة واضحة جعلت من كان مؤيدا لهم في بداية اقتحام صنعاء يدرك مدى تخلف هذه الجماعة اليت ستعيد اليمن إلى قرون غابرة فيما لو تمكنت من السيطرة الكاملة.
وكل صيحات الحوار ذهبت سدى، رغم صمود الأطراف السياسية الأخرى في دعواتهم للحوار، تمهيدا لعملية سياسية تخرج من اليمن من هذا النفق المظلم الذي فتحته قوى التخلف مسنودة بدعم الحرس العائلي لعفاش، وكان ماكان: وجاءت ليلة جديدة مفاجئة، حيث انطلقت في منتصفها عاصفة القدر لتشكل مشهدا جديدا بعملية#عاصفة_الحزم المنطلقة من الرياض بمساندة عشر دول عربية أخرى، وهنا كانت المفاجأة غير المتوقعة حتى من أولئك المطالبين بالتدخل الخليجي، وهنا وبعيدا عن المؤيد والمعارض، فينبغي أن نتفق أولا أن الجميع غير راض مطلقا عن التدخل السعودي- الخليجي: ويعتبرونه عدوانا غير مبرر، كان بالإمكان اللجوء إلى حلول أخرى
فحتى أولئك المطالبين به: كانوا يريدونه تدخلا يتمثل بضغوط سياسية واقتصادية لإيقاف هذا العبث، لكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن؛ ورضي المؤيدون على مضض بذلك، على قاعدة: أخف الضررين!!
موازنة بين التدخل(الإيراني- الفارسي)والتدخل( السعودي- العربي)، وكما قيل: فبعض الشر أهون من بعض..
وإذا لم يكن إلا الأسنة مركبا فما حيلة المضطر إلا ركوبها، ولست الآن بصدد الترجيح بين الرأيين فذلك أمر لم يعد مجديا،ولكن الآن يمكن أن يطرح تساؤل مهم، وهو:
ما ذا بعد#عاصفة_الحزم ؟
وهو سؤال من وجهة نظري له أهميته والحديث عنه والوصول في توصيف ما بعد العميلة يساهم في استشراف المستقبل السياسي ورسمه بما يضمن زوال آثار هذه العملية، ويمهد الطريق لرسم خارطة جديدة للمشهد اليمني تكسر صلابة الخصومة التي كانت قد تجاوزت الفجور، وأحدثت العداوة والبغضاء بين أفراد البيت الواحد، وبالتالي فلم يعد المجال الآن مناسبا لفتح خصومات جديدة تضر أكثر مما تنفع وتدخلنا في دوامة جدل لا يزيدنا إلا فرقة، ولكي نستعيد الألق الثوري في نفوسنا فإن خطوات مهمة ينبغي أن نتخذها لعلنا نرسم المستقبل الذي نريد بريشة الحكمة اليمانية، وليست بسيف العدوان:
ومن أهم ما أظنه ضروريا مايلي:
أولا: علينا الآن أن نكون على قدر التحدي في المرحلة المقبلة ،و نتجاوز الآثار السلبية لهذه العاصفة، ونطوي أي خلاف يفرقنا، ونتمسك بأهداف ثورتنا، ونلتقي جميعا على كلمة سواء: عنوانها: الوطن للجميع، وخدمته واجب على الجميع وفق رؤية حضارية تضمن مستقبلا مشرقا لهذا الوطن، الذي تشتاق تربته الطيبة إلى أن ينبت فيها الخير والحب والسلام، ويشتاق أبناؤه إلى أن يكون وطنهم رائدا لنهضة إسلامية تعيد مجده التليد، وترسل نور الحكمة اليمانية إلى الآفاق.
ثانيا: ينبغي من الأطراف المؤثرة في المشهد- إن بقي أحد له أثر- أن يضغط على الاتجاه التوافقي رجوعا إلى المبادرة الخليجية وتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، ودعم هذا التوجه لكل الوسائل الممكنة.
ثالثا: إخراج الشخصيات التي كانت تتصدر المشهد، وفتح المجال لشخصيات وطنية جديدة، ليس بينها وبين أحد خصومة، لنأمن خلو المشهد من المزايدات السياسية، التي تؤدي إلى الانتقام والثأر على حساب الوطن والمواطن؛ وهنا نحتاج إلى وجود دور فاعل لشباب الأحزاب كي يمارسوا على قياداتهم التخلي عن إدارة الأحزاب لأن هذه القيادات قد هرمت هي وهرمنا- نحن - منها، وبلغت هي أرذل العمر فكريا وسياسيا، وعليها الآن أن تأخذ استراحة ميت، فقد اقترب أجلهم، فماذا ينتظرون؟!!!
رابعا: يلاحظ على الأطراف المشاركة في التحالف، وخاصة السعودية أنها حريصة على تركيز الضربات بدقة حتى تتجنب ردة الفعل الساخطة من قبل الشعب اليمني ، وأيضا نلاحظ وجود تطمينات صادرة من قبلهم فيما يتعلق بقضية الدعم الاقتصادي بعد العملية، وهذا جزء يشير إلى وجود قلق مستقبلي فيما يتعلق بالعلاقة مع اليمن، وهذا مؤشر طيب، لكنه لا يكفي لإثبات حسن النوايا تجاه الشعب اليمني؛ خاصة أن الذهنية اليمنية مفعمة بكراهية تجاه الحكومة السعودية؛ لأن التاريخ يسجل مواقف عدائية لليمن ووجود أطماع سعودية في اليمن، بل ويذهب كثير من المراقبين اليمنيين إلى أن سبب ويلات اليمن هي الشقيقة الكبرى المجاورة، وإن كنت لا أتفق إجمالا مع هذه النظرة السوداوية جدا تجاه الحكومة السعودية، رغم صحة وجود بعض الأطماع للحكومة السعودية، ومع كل هذا فلا ينبغي نسيان الدور السعودي الفاعل إيجابيا في بعض صور الدعم الاقتصادي السخي الذي تكاد تتصدر هي قائمة الدول الداعمة؛ ولهذا حتى لا تتزايد النظرة العدائية تجاه السعودية بعد #عاصفة_الحزم ، فإن الدور السعودي الإيجابي ينبغي أن يتحرك في عدة اتجاهات:
- الاتجاه الأول: يمتثل بالمشاركة في الحل السياسي الذي يرتضيه اليمنيون في هذا الفترة، وأن يكون لها دور دولي لإجبار بقية دول التحالف السير في هذا الاتجاه والتعبير عنه في مجلس الأمن وغيره من المنظمات الدولية.
ولن يكتمل الدور السياسي الفاعل إيجابيا إلا بالبدء بالتفكير جديا في إيجاد علاقات خليجية- يمنية، على جميع الاتجاهات لتكون مدخلا مهما لضم اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي، لأن المرحلة الراهنة أصبحت تحتم على الجميع اتخاذ هذا الحل، والمخاطر تحدق بالجميع، وإذا كانت إيران اليوم قد وجدت في الحوثي حليفا لها، فمن الذي يضمن أنها لن تجد حليفا آخر.
إن اليمن يمثل حزاما أمنيا مهما في جنوب الجزيرة ويجب ربط هذا الحزام سياسيا في الجزيرة كما هو موجود جغرافيا.
- الاتجاه الثاني: الاتجاه الاقتصادي، ويكون هذا الاتجاه خاضع للاحتياجات الاقتصادية لليمن في هذه المرحلة بتشكيل لجنة وطنية توجه هذا الدعم الوجهة الصحيحة، وهذا الدور الاقتصادي لن تقوم به المملكة لوحدها؛ بل عليها- أيضا- إحياء تحالف المانحين الذين كانوا قد عقدوا مؤتمرات تخص هذا الجانب، لكي يتمكن اليمنيون من إكمال خطوات التنمية التي تكفل لهم وجودهم في مجلس التعاون الخليجي، إما حليف قوي لدول المجلس أو عضو أساسي له مالهم وعليه ما عليهم.
- خامسا: من الأهمية بمكان أن نذكر أنه ينبغي علينا الارتقاء بأسلوب خطابنا الفكري، وأن نجعله خطابا يوحدنا ولا يفرقنا، وأن ننظر إلى المستقبل بعيدا عن لغة الفرح والشماتة من هذا الطرف، أو لغة التخوين والتآمر من الطرف الآخر، كفى فجورا في الخصومة.
أيها اليمنيون: كلنا مسؤولون، نعم، وصول اليمن إلى هذا الحال هو مسؤولية الجميع، كفى توجيها للاتهامات، وكفى فرحا وشماتة، وبدأ العد التصاعدي لبناء مستقبل مشرق لهذا الوطن، فإن الحكمة اليمانية لا تزال حاضرة ولا تزال هي مصدر إلهامنا، واسألوا تاريخنا ينبئكم أننا- نحن اليمنيين- أهل الفكر والعلم والحضارة.....


في الأحد 29 مارس - آذار 2015 10:07:08 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=41295