|
في العام ١٩٩١، كما يروي الصحفي نجيب اليافعي، وصل الشيخ عبد الله الأحمر إلى صعدة ليفتتح مقراً لحزبه. هناك التقاه علي الصربي، أحد رجالات صعدة المعروفين، وقال له: "ماذا تريدون؟ صعدة مملوكة لبني هاشم، حتى الزكاة يذهب ثلثها لأسرة الحوثي وثلثان لأسرة المؤيدي.". تحاشى الحوثي الكبير، والد عبد الملك، الدخول في المدينة أو الانسجام معها. لدى أسرة الحوثي، قديماً وحديثاً، الاستعداد الكامل لتسوير أي أرض والانفراد بها، والاكتفاء بثلث أموال الزكاة أو بالثلثين. سيطروا على اليمن، أخيراً، ثم خسروها بسرعة فائقة، ولا يرون في ذلك نكسة. لا تقرع الهزائم جرس الأنذار لدى الجماعة. على طريقة تجار الأسواق الشعبية يقارن الحوثي، مع كل خسارة، بين ما بقي لديه وبين ما كان يملكه قبل سنين طويلة عندما كان، هو أو والده، لا يزال في صعدة. يجد نفسه منتصراً بالمعنى الكمي.
لا يمكن حلحلة موقفه عبر الحوار، فهو لا يخسر، حالياً، سوى الأشياء التي حصل عليها بأقل قدر من الجهد. كما لديه مقاتلون يمكن الحصول عليهم، أو إبدالهم، بأقل قدر من الكلفة. هم ذلك النوع من المقاتلين الذين لا يترك موتهم في قلبه حسرة. وهو، على كل حال، يستند إلى مرجعية دينية تستعذب الاستشهاد، أو الموت، في سبيل راحة بال آل النبي. ناشطون محليون تحدثوا عن احتفالية كبيرة في مديرية بني حشيش، شمال صنعاء، بمناسبة تجاوز قتلى تلك المديرية أرقاماً قياسية. أطلقت النيران، وبدا أهالي القتلى سعداء وهم يستمعون إلى أحد رجال الحوثي يبارك لهم ذلك المجد.
لم يغادر الحوثي الجبل، ولا يعرف المُدن. إذا تتبع المرء خطاباته سيجدها تدور حول بعد مركزي: الصراع. يخرج من التاريخ ليعود إليه، ويتحدث بحماس منقطع النظير عن خونة ماتوا قبل أكثر من ألف عام. يبدو الحوثي فاقداً للإحساس بالزمان والمكان معاً. يقاتل بلا تردد، فلديه جيش يمتد لآلاف السنين، يستأنس بمصائر الهالكين والمنتصرين معاً، ويرى الحالين، النصر والهزيمة، أقداراً ممكنة.
استمعت، شخصياً، لكل خطاباته. يقول دائماً لماذا هم الآخرون سيئون وأشرار، ولا يعرف أخياراً قط. هناك طاغوت، هناك دائماً طاغوت: النظام، الفرد، المجتمع. أرسل عشرات الرسل من صعدة إلى صنعاء، قبل دخولها، وعرض رغباته واشتراطاته. لم يحدث أن تكلم رسله مع الحكومة المركزية عن جامعة في صعدة، أو عن وضع التعليم. المرات القليلة التي طُرق فيها موضوع التعليم انصرف فيها الحديث إلى حق الحوثي في فرض مناهج تعليم خاصة تستند إلى نظريته وموقفه من صراعات التاريخ.
دائماً يُريد الحوثي حسم صراعات التاريخ والانتقام من أعدائه الذين ماتوا في الأزمنة الغابرة. أحد رجاله، كما يظهر في فيديو مثير، كان يتحدث إلى طلبة مدرسة أساسية بحماس وبحة في الصوت عن عمرو بن العاص الذي شرب خمراً. كان غاضباً، وربما فكر الطلبة بالخروج لإلقاء القبض على ذلك الرجل الذي شرب للتو خمراً جوار سوار المدرسة.
يبدو من المستحيل تبادل بضع جُمل مع عبد الملك الحُوثي قبل أن يجد المرء نفسه في متاهة. في جنيف، حالياً، يعرض أمراً واحداً وحسب: إطلاق سراح من اختطفهم من منازلهم مقابل دz؛” تُوقف كل الإجراءات ضده: من عاصفة الحزم حتى القرارات الأممية. المعضلة الوحيدة التي استوعبها الحوثي حتى الآن هي أن لديه معتقلين.
اختطفه صالح، بادئ الأمر، ومع توغل الرجلين في الحرب اختطفَ صالح. الأخير دخل إلى العصابات من السياسة، والأول نشأ داخل عصابة. في جنيف يحاول وفد صالح، عبر قنوات فرعية، القول إنهم حزب سياسي لا علاقة لهم بالحوثيين. لكن الحوثيين يعيدونهم إلى الطاولة كعناصر أصيلة في العصابة الكبيرة. تضيق الدائرة، ويحاول صالح النجاة، لكنه لن ينجو وحيداً. فهو ضعيف بمعزل عن الحوثي، وكلما حاول العودة إلى السياسة يصطدم بالحوثي أولاً، ويغرق الرجلان معاً.
في الأحد 20 ديسمبر-كانون الأول 2015 11:39:53 ص