القائد على محسن والشيخ محمد المهدي .... وجهان لعملة واحدة
الخضر بن عبد الملك الشيباني
الخضر بن عبد الملك الشيباني
 من عادتي أن لا أكتب إلا وأنا مقتنع وراضٍ عمَّا أسطره، وكم أدى بي هذا الأمر إلى مراجعة كثير من المقالات ووزنها قبل نشرها مرة ومرتين وربما خمس مرات، مخافة التجاوز والوقوع في التعدي على الآخرين أو التعدي على قول له نصيب من الاجتهاد السائغ حتى ولو كنت لا أستسيغه شخصياً.

وهذه إحدى الفوائد التي استفدتها من عملي في تحرير مجلة المنتدى الدعوية لأكثر من عشر سنوات _ عجل الله عودتها بمنه وكرمه.

وأنا اليوم أسطر قناعة ليست وليدة اليوم وإنما هي راسخة منذ سنوات.

وكنت محتفظاً بها للتاريخ لكنني وجدت نفسي مضطرا للبوح بها عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوما). قالوا ننصره مظلوماً فكيف ننصره ظالماً؟ قال: (ترده عن ظلمه).

نعم القائد العسكري: على محسن الأحمر، والشيخ العلامة: محمد بن محمد المهدي وجهان لعملة واحدة. 

سيقول بعض ضعفاء العقول: ما الذي جمع الثرى مع الثريا ومن الذي جمع الحق مع الباطل؟

والجواب أسطره اليوم. دعوة للعدل ونصيحة للخلق ومحبة لبلدي العزيز.

فأقول: لعل الكثيرين ممن زاروا مكتب قائد الفرقة أولى مدرع اللواء على محسن الأحمر، إبان الثورة الشبابية الشعبية السلمية وبالتحديد بعد مرور نحو سنة ونصف منها كانوا يتساءلون وبكل امتعاض عن سر بقاء صورة الرئيس المخلوع _ كنت أسميه السابق لكن الأيام أثبتت أنه حريص على الوصف الأول أكثر من الثاني _ معلقة فوق مكتب قائد الفرقة.

وقد تلقى سعادة اللواء حينها حملة شعواء شنها عدد من الإعلاميين والناشطين من شباب الثورة والمحسوبين عليها بسبب تلك الصورة ولم يغفر له حينها ما قامت الفرقة الأولى مدرع بقيادته من حماية الثورة وشبابها، وظّلوا يشككون ويطعنون ويثيرون الأسئلة المتكررة كيف؟ ولماذا؟ بل ويجيبون من تلقاء أنفسهم بما يعلمون وبما لا يعلمون !!! .

وبعدها بأسابيع كان لي مع بعض العلماء والدعاة منهم الشيخ محمد المهدي. زيارة لمكتب القائد من باب التعرف على ما يجري وسيراً على منهج السلف بالمناصحة لولاة الأمور ومن كان في فلكهم.

كانت الصورة مازالت معلقة، وبعد أن استعرض القائد تفسيره لما جرى بعد جمعة الكرامة وما قامت به الفرقة و .... وأشياء كثيرة ليس هذا محل التفصيل فيها، بادره أحد المشايخ متسائلاً:
 ما زلت تعلق صورته على مكتبك ؟!!.
أجاب بكل هدوء ومع ابتسامة لطيفة: أليس القائد الأعلى للقوات المسلحة. 
خرجت يومها متأكدا من قناعتي التي كونتها من قبل:
هذا الرجل ليس قائدا أعمى ينفذ ما يطلب منه فقط كما هو حال العديد من القادة العسكريين.

بل هو قائد عسكري وزعيم قبلي ورجل دولة في آن واحد فهو يتخذ قراره وفق اجتهاد موزون ودون طيش حسب ما يراه ويعلمه من حال اليمن وليس حسب ما يعبأ ممن حوله.

 وبالتالي فهو يستحق الاحترام مهما اختلفنا معه في تصرفات وممارسات في أماكن ومواقع أخرى.

أما الشيخ محمد محمد المهدي الشيخ السلفي المعروف وأحد مؤسسي جمعية الحكمة اليمانية الخيرية أول عمل سلفي منظم في اليمن.

العلامة في العقيدة والسنة والفقه والنحو والتاريخ والسير والتراجم.

شاعر علماء اليمن المعاصرين وأديب المجالس ومقدم الوفود وصاحب الحوار الجم والطرفة والبسمة حتى مع المخالفين والمختلفين معه.

 هذا ما أعرفه وما يعرفه غيري أكثر. واعتقد من خلال مخالطتي له ولطلابه في إب وغيرها من المحافظات أنه من العلماء والدعاة العاملين والمخلصين _ نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا _ وكل يؤخذ منه ويرد ويحب ويبغض بحسب ما قام به من الحق والباطل.
وما أود الحديث عنه اليوم أن فضيلة
الشيخ المهدي قد تلقى خلال السنوات الخمس الأخيرة العشرات من الانتقادات والهجوم المباشر وغير المباشر في قضايا متعددة جلها متعلقة بطريقة تعامله مع المسائل المتعلقة بالحكام وثباته منقطع النظير في مسألة من أهم المسائل المميزة لأهل السنة والجماعة والمنهج السلفي بشكل خاص ألا وهي طاعة ولاة الأمور والتعامل مع الحكومات والمسؤولين في الدولة.
لقد حاول العديد من الإعلاميين ورؤساء تحرير الصحف الحزبية والخاصة أن يتخذوا من الشيخ محمد بن محمد المهدي صيداً ثميناً يحاولون من خلال مقابلاته ونشر تصريحاته ومواقفه تشويه المسار الدعوي والفكري للدعوة السلفية الحركية ممثلة بتيار الحكمة.
 وكانت سهامهم وفخاخهم تبوء بالفشل أمام ثبات الشيخ ووضوحه وتوازن تصريحاته _ إلا في بعض المواطن التي أخطأ فيها نتيجة مقدمات ومعلومات خاطئة _
بل لقد حاول البعض أن يجعل مواقف الشيخ تصب في خانة علماء السلطة اللذين يعطون للحكام ما يريدون من الفتاوى والمواقف وظلّوا يغمزون فيه ويغتابون لسنوات ثم حلّت السنوات الأخيرة الكذابات والخداعات، واعتقد هؤلاء أن القشة التي قصمت ظهره وجوزت لهم الطعن فيه بالسكاكين هي موقفه من الثورة الشبابية الشعبية السلمية ورفضه لها جملة وتفصيلا. ورفضه لتداعياتها المستمرة حتى اليوم، ولم يقبلوا أن يجعلوا ذلك محلاً للنقاش فضلاً عن كونه محلاً للاجتهاد. ؟!!
إن من يسمع كلام الشيخ ويقرأ ما يصدر عنه بتجرد وبعد عن العصبية الحزبية والإقصاء الفكري سيجد أنه أمام نموذج فريد من العلماء المتصالحين مع مسيرة حياتهم العلمية والفكرية والاجتماعية.
وعندما يتتبع الناقد مواقفه وتصريحاته ويقارنها بقناعات الشيخ المعروفة والمبثوثة في كتبه وشعره ومقابلاته وتصريحاته ومشاركاته في المؤتمرات العلمية والدعوية في الداخل والخارج لن يجد فيها أي تناقض أو لبس بل سيجد فيها توافقا مع طريقته في النظر والتفكير وتقدير المصالح والمفاسد ورؤيته لمكامن الخلل في حركة الدعوة ومؤسساتها وكذا الدولة والقائمين عليها.
وكل ذلك وفق نظرة سلفية ثاقبة يشاركه فيها مئات الآلاف بل الملايين كما يخالفه أيضا مئات الآلاف بل الملايين حول العالم.
إنني أستغرب بعد أن تحاملت على السكوت لأشهر أن يطالب بعض أحبابنا وبعض دعاتنا ومثقفينا أن يتحول الشيخ بخلفيته المعروفة إلى داعية من دعاة الثورة على الحكام بهذه الطريقة التي تمت في بلادنا وغيرها من البلاد العربية؟
وإذا كنت شخصياً أعتز وأتشرف بمناصرة الثورة الشبابية وأستمتع بالربيع العربي مهما كان وحصل فيه من الآلام ومع التحفظ على العديد من التفاصيل فيه. فإنني لا أرى من لوازم ذلك أن أتهم كل من خالفني في هذا الموقف بالخيانة والعمالة، فما بالك بعالم له سابقة في العلم والدعوة ونصرة الحق.
ألسنا مأمورين بالعدل (وإذا قلتم فاعدلوا). بل وأتعجب من بعض قادة الأحزاب الإسلامية في اليمن وكذا القيادات الدعوية ممن يريدون أن يقولو ا للآخرين بلسان حالهم قبل مقالهم تلك العبارة الفرعونية البوشية: من ليس معنا فهو ضدنا.
وإذا فهمنا هذه العبارة في سياق الحشد للتحرير والميدان العسكري فلا أرى أنها مناسبة للعمل بها في الواقع الفكري والعلمي خاصة في الواقع اليمني الذي كثر فيه الخلط والتلبيس والبيع والشراء. 
لقد كان الشيخ محمد المهدي واضحاً في موقفه من الفكر الرافضي الصفوي قبل عقود من حروب صعدة وأثناءها وبعدها وقبل الكثيرين ممن يتحدثون اليوم في القنوات والملتقيات.
وكان موقفه واضحا في كشف المشروع الطائفي الإيراني في اليمن والعراق وسوريا وغيرها في مواطن متعددة. وكذا موقفه من الخروج على الحكام سواء بالقول أو الفعل فضلا عن الخروج بالسلاح.
كما أن حرصه على الوحدة المجتمعية لليمن وتمسكه بعلاقات متوازنة مع مسؤولي الدولة ومشايخ القبائل أمر معروف ومشهود يشهد له به القريب والبعيد وكان سببا في خير كثير للبلاد والعباد.
ولا أرى مشاركة الشيخ في الملتقيات والمؤتمرات التي عقدت خلال الفترة الماضية وإلى اليوم وتأييده لتجنيب مدينة أب أتون الحرب إلا رغبة في التوسط والاعتدال وحرصاً على الحفاظ على مكاسب الدعوة حسب اجتهاده وفهمه ورؤيته. فلماذا يتم تحميل ذلك ما لا يحتمل؟
 مع أننا نعطي المبررات والأعذار المتكلفة دفاعا عن غيره من السياسيين والدعاة والمفكرين على أمور تافهة بينة !! .
وإذا كان إخواننا في الدعوة والعمل الإسلامي بمختلف مجالاته الأحزاب والمقاومة والعمل الإغاثي والدعوي واللذين نتعبد لله عز وجل بحبهم ومناصرتهم ينقدون عليه حدته في الكلام على بعض مواقفهم فلهم العتب في ذلك ونوافقهم عليه ونطالبه بتصحيحه في حال تبين له خطئه في ذلك، لكن أن يتحول ذلك إلى مبرر للقول فيه بما هو كذب وبهتان فهذا ما لانرضاه له ولا لغيره من علماء وقادة السلفيين أو الإخوان وحتى الصوفية بل وحتى الحوثيين والمتحوثين وعملاء إيران في اليمن.
إن المواقف التي خرج بها الشيخ المهدي في أحيان كثيرة لا تخرج عن اجتهاد عالم من علماء الشرع يريد براءة ذمته حسب ما آتاه الله من العلم والفهم والخبرة والتجربة.
والشهادة لله وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين. فإنني ومن واقع معرفتي بالشيخ ومتابعتي المستمرة لما يطرحه ويطرحه غيره أجده من القلائل من علماء الشريعة اللذين لهم متابعة مستمرة لما يجري حولهم ويطرح في مجتمعهم ومحيطهم.
وكم سمعنا منه تنبيها على تجاوز في مقال أو كتاب أو احتفال وعلمنا أنه زار فلان وفلان من الأدباء والمسؤولين والإعلاميين و .. فحاورهم وناقشهم وتلطف في إيصال الخير و النصيحة إليهم .. فكان عالم شرع وقائد دعوة ورائد حق وخير حسب اجتهاده.
ألا توافقونني الآن أن القائد والشيخ وجهان لعملة واحدة. يجتمعان في نصرة الحق حسب اجتهادهما. 
ختاماً:
ما سطرت هذه السطور دفاعاً عن شخصه ولا صاحبه مع علمي أنهما لا يتوافقان في عدد من المواقف. وهذا إن كان فهو أقل ما نؤديه لهما من واجب علينا تجاه ما قدماه وإنما للتنبيه على ضرورة الالتزام بمنهج العدل في التعامل مع من نختلف معهم في الاجتهاد وأن ننزل الناس منازلهم.
وينبغي أن نكون على يقين أن الصدق والعدل مع الآخرين هو مفتاح الحفاظ عليهم في صف الحق وتأليف قلوبهم وأما إطلاق الأحكام يمنة وسيرة بدون تقدير لعواقبها فهذا من السفه والطيش الذي لا تحمد عواقبه خاصة في مثل هذه الأحوال التي نعيشها في بلادنا.
اللهم اجعلنا هداة مهتدين لا ضالين ولا مضلين اللهم لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا وأرنا من نصرة الحق وأوليائه ما تشفي به صدور قوم مؤمنين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
* مدير عام مركز الكلمة الطيبة للبحوث. رئيس تحرير مجلة المنتدى الدعوية.

في الجمعة 25 مارس - آذار 2016 11:33:39 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=42188