الحوثيون بين ادعاء المظلومية وممارسة الإقصاء.
عنتر محمد النمر
عنتر محمد النمر
 

إنضمام الكثير من موظفي الدولة الى صفوف الحوثيين، بعد كارثة 21 سبتمبر ليش منشئاً لتوجه جديد بل كاشفاً له. أي أن الإنقلاب لم يخلق الأيديولوجيا الحوثية لدى هؤلاء المتحولين بل نقل ما كان خافياً الى العلن. وهو ما يبطل دعوى الإقصاء والتهميش التي كانوا يروجون لها ويعزفون على وترها خلال فترات سابقة. يكفي أن نعرف حرب التحرير اعتمدت لفترة طويلة على جيوش التحالف والمقاومة الشعبية غير المنظمة حتى تم تأسيس نواة للجيش الوطني بعد ما يقارب الستة أشهر.

أي أن الجيش السابق كان بسواده الأعظم مبنياً على أسس دون وطنية أو مناطقية وهو ما سهل بشكل أو بآخر تحولها الى حوثية كامنة، وما تم بعد النكبة هو فقط الإفصاح عن ذلك. الكثير من المراقبين قادرون على تقدير حجم التمثيل الحوثي الذي كان كامناً في مؤسسات الدولة من خلال ملاحظة الذين أعلنوا تحوثهم بعد الإنقلاب سواءً في مستوى القيادات العليا أو الوسطى، وسواءً في القطاع المدني أو العسكري. كما أنه جرى أثناء الحرب حوثنة الدولة بالمعنى الحرفي للكلمة والعبث بسجل الجهاز الإداري للدولة، حتى أن حليفهم السابق الرئيس الراحل لم يستطع السكوت على ذلك.

نعرف أن تأريخ التسويات السياسية في اليمن مليء بالأمثلة على محاولة استيعاب جميع المكونات الممثلة أثناء المفاوضات، وهو ما جعل البعض يطلق مصطلح "الجملكية" على دولة ما بعد ثورة 1962. لكن التمثيل ليس بحسب الكتلة السياسية والشعبية الموجودة فعلياً على الأرض بل بحسب القوة العنيفة والمسلحة، وذلك لأن آلية القياس الطبيعية وهي الإنتخابات إما غائبة أو غير موثوق بها غير مرغوب بها أصلاً، وإلا لما كانت مناطق الحديدة وتهامة كأكبر تجمع سكاني في اليمن غائبة عن التمثيل السياسي بهذا الشكل.

ما نخشى منه هو أن يكون ما يجري تداوله من فترة لأخرى صحيحاً حول سعي الحوثيين لضم عشرات الآلاف من عناصرها لموسسات الدولة بحجة استيعابهم كمكون سياسي عند أي تسوية قادمة. وهذه كارثة أخرى وخرق لأبسط مبادئ العدالة الإنسانية وهو عدم الإفلات من العقاب. فالحوثية بشكلها الحالي حركة "ما قبل عقلانية" وعنصرية. وما ينبغي فعله معها هو تجريمها دستورياً كما تم تجريم النازية في ألمانيا لا مكافأتها بمضاعفة حجمها. ما عدا ذلك سيكون تلغيماً للمستقبل ووضع حجر أساس لحروب أخرى سيتم افتتاحها مستقبلاً وبأيادٍ حوثية جديدة وربما بمسميات مختلفة.

إن دعوى الاصطفاء الإلهي والتفوق العرقي وزعم الروابط الأسرية تحقق شرط العصبية التي تحدث عنه بن خلدون في مقدمته في نظرية بناء الدولة، ولكن ليس الدولة اليمنية الجامعة بل دولة الحق الإلهي سواءً الحوثية أو المتوكلية. وهي فكرة تتسبب في تخريب السياسة وإنهاء أي احتمالات لتحقيق الإستقرار في البلاد. وهذا يعني أن المجتمع اليمني مفخخٌ فكرياً بهذه الأيولوجيا، كونها قابلة للإحياء في أي لحظة. لذلك سيكون من المفيد إنشاء مؤسسة حكومية أو مركز لمراقبة التوازن المجتمعي منوط به دراسة مآلالات الحركات المتطرفة ومنها الحوثية ودراسة مخاطرها ومعالجتها في مهدها، والعمل على عدم تمَكُّنها.

 
في الجمعة 29 يونيو-حزيران 2018 01:43:06 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=43760