أي دورٍ للأمم المتحدة في اليمن؟
عبد الله بن بجاد العتيبي
عبد الله بن بجاد العتيبي
 

منذ بدء عاصفة الحزم في اليمن وقيام التحالف العربي بمواجهة التغوّل الإيراني هناك وضرب الانقلابيين الحوثيين وميليشياتهم المسلحة، وأدوار الأمم المتحدة ملتبسة تجاه استيعاب الأزمة وأبعادها والضرورات التي دفعت إليها؛ ينطبق هذا على دور المبعوثين الدوليين من المغربي جمال بن عمر إلى الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد وصولاً إلى البريطاني مارتن غريفيث، وكذلك بعض المؤسسات التابعة للمنظمة الدولية.
كان آخر ما يمكن تسميته بالقصور في تصوّر الأزمة والقصور في فهمها من قبل المؤسسات التابعة للأمم المتحدة تقرير خبراء حقوق الإنسان الذي صدر الأسبوع الماضي بتبنٍّ شبه كامل لكل افتراءات ميليشيا الحوثي الإيرانية وتغاضٍ مخجلٍ عن كل جرائمهم المعلنة والمصورة والموثقة، وأكثر من هذا أن التقرير يتعامل مع هذه الميليشيا المحتلة والمغتصبة وكأنها كيانٌ شرعي معترفٌ به دولياً.
قصور التصور وقصور الفهم أدى بشكلٍ طبيعي إلى قصورٍ في المعالجة، وما بني على باطل فهو باطل، هذا من حيث المبدأ العام، والراصد لمواقف المبعوثين العامين وبعض المؤسسات التابعة للأمم المتحدة وبياناتهم وتقاريرهم يكتشف بسهولة أنهم يعيشون في عالم آخر غير الذي يراه الناس وتنقله وسائل الإعلام بشكل يومي من قلب اليمن فضلا عن أنه سيكتشف جهلاً مريعاً بصراعات المنطقة أو تجاهلاً مقصوداً لها، فمجرد اعتقاد أن ميليشيا الحوثي هي جماعة يمنية وطنية هو وهمٌ كبيرٌ وتضليلٌ أكبر للرأي العام الدولي وهي بنفس سذاجة وقصور من يعتقد أن «حزب الله» اللبناني الإرهابي لبناني وطني فحسب ولا علاقة له بمشاريع إيران التوسعية.
المنطق الذي بني عليه التقرير يتجاهل ثوابت أساسية في فهم الصراعات الدولية ولو أن كل جماعة إرهابية سيطرت على عاصمة أصبح لها الحق في اعتبارها كياناً دولياً معترفاً به لانقلب العالم الذي نعرفه رأساً على عقب، فهل لو سيطر تنظيم «داعش» على دمشق سيتعامل مع الأمم المتحدة على أنه كيانٌ شرعيٌ! وهل لو سيطر تنظيم «القاعدة» على بغداد سيصبح كياناً شرعياً!
حاول التقرير التغطية على التحيّز الظاهر فيه بلغة الجمع التي يراد بها التزين بمظهر الحياد «الجميع مذنبون» أو نحوها من الألفاظ والمصطلحات، وهذا جورٌ ما بعده جورٌ، فالتحالف العربي دخل المعركة في اليمن لمواجهة المشروع الإيراني الطائفي الإرهابي ذي السياسة التوسعية وبسط النفوذ المنافية لمبادئ الأمم المتحدة، وهو المشروع الذي ينتهك سيادة الدول ويتدخل في شؤونها الداخلية عبر الميليشيات والتنظيمات الإرهابية وينشر الخراب والدمار حيثما استطاع، فنزع هذا البعد والتغاضي عنه يحكم على التقرير بالانحياز والميل لكفة دون أخرى.
كلّما تعززت انتصارات التحالف العربي في اليمن وكلما اقتربت من إنهاء النزاع وإنقاذ اليمن وعودة الحكومة والدولة اليمنية لبسط نفوذها على كامل ترابها الوطني، سعت شخصياتٌ أو كياناتٌ تابعة للأمم المتحدة إلى مواقف وسياسات تمثل طوق النجاة للميليشيا الحوثية. وهذا نهج ثابتٌ للأسف، يجب أن يوضع تحت المجهر وأن يتم البحث عن أسبابه ودوافعه.
الحرب في اليمن لم تكن خياراً سعودياً أو إماراتياً أو عربياً بل كانت حرب ضرورة دفع إليها سعي إيران وحلفائها في المنطقة من قطر إلى تركيا لبسط النفوذ على اليمن ومحاصرة دول الخليج والدول العربية بالسيطرة على اليمن بقوة الميليشيات وإرهابها، ولولا هذه الحرب العادلة والمهمة والاستراتيجية لكانت الأحوال اليوم في اليمن وفي الخليج أسوأ عشرات المرات مما هو حاصلٌ في الوقت الحالي، ولكانت محاصرة من الشمال والجنوب بميليشيات وجماعاتٍ إرهابية وتخريبٍ وتدمير ممنهجٍ، تقضي فيه دول المنطقة عقوداً لحماية نفسها من الشرور.
صدرت دول التحالف العربي عن قرار الأمم المتحدة لمواجهة هذا التحدي الوجودي في اليمن، وخاضت الحرب جنباً إلى جنبٍ مع الحكومة الشرعية وجيشها ومع الشعب اليمني ومقاومته، وراعت في كل خطوة تخطوها أعلى المعايير الدولية في الحروب، ومع احترام كاملٍ للقوانين الدولية وحقوق الإنسان، ودخلت دخول الصديق المنقذ لا المحتل الغاشم، وقد كانت قادرة على إنهاء الحرب في أيامٍ معدودة ولكنها لم تفعل حرصاً على الأشقاء في اليمن وعلى البنية التحتية فيه واستحضاراً لهدف إعادة إعماره، وقد صرح بذلك أكثر من مرة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
مشكلة مثل هذه التقارير التابعة لمؤسسات دولية أنها تمنح الشرعية لمؤسساتٍ أخرى حقوقية وإعلامية ومدنية لإطلاق حملات تشويه متعمدة ومدفوعة الثمن، خاصة مع استحضار أن دولة مثل قطر تعتقد أنها بالأموال فقط قادرة على شراء ذمم الجميع، وثمة من يقول إنها نجحت في شراء عدد من هذه المؤسسات الحقوقية والإعلامية والمدنية في الدول الغربية، وأصبحت العلاقات بين الطرفين واضحة ومشهورة، وهو ما أدى إلى فقدان هذه المؤسسات كثيراً من مصداقيتها ورصانتها، وهي الطريقة القطرية المفضلة؛ دفع الرشى من كأس العالم إلى دعم إيران والحوثي والتهجم على دول المقاطعة العربية.
جاء في بيان تحالف دعم الشرعية في اليمن ما نصه: «وقع التقرير في كثير من المغالطات المنهجية وفي توصيفه لوقائع النزاع، والتي اتسمت بعدم الموضوعية، خاصة عند تناول أطراف النزاع في اليمن ومحاولاته تحميل المسؤولية الكاملة لدول التحالف بشأن النزاع في اليمن متجاهلاً الأسباب الحقيقية لهذا النزاع وهي انقلاب ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران على الحكومة الشرعية في اليمن، ورفضها للجهود السلمية كافة التي تقودها الأمم المتحدة» نقلت النص هنا لأنه عميق الدلالة على المقصود في هذا السياق.
يضاف لهذا أن التقرير تغاضى تماماً عن حجم المساعدات بمليارات الدولارات للدولة اليمنية والشعب اليمني التي قدمتها السعودية والإمارات والكويت بجميع الأشكال الممكنة وضمن ظروف الحرب القائمة وأبعادها المتشعبة.
الحروب ليست نزهة، ولا تقريراً ولا بياناً؛ هي آخر الحلول وأقساها، ومن هنا جاءت القوانين الدولية الحاكمة للحروب والمنظمة لها، وهي التي راعاها تحالف دعم الشرعية بكل حرفية، وقال الوزير أنور قرقاش: «الحروب تحمل في طياتها آلامها، وأفغانستان والعراق وسوريا شواهد، ولكننا في خاتمة المطاف مسؤولون عن أمننا واستقرارنا، وهنا أولويتنا».
أخيراً، فإن الحديث طويلٌ حول الخلل الواقع في كثير من المؤسسات الدولية وعدم قدرتها على اتخاذ المواقف الصحيحة لأسبابٍ متعددة، وسيكون هذا التقرير المنحاز إضافة إلى ذلك الخلل الذي يجب رتقه.


في الإثنين 03 سبتمبر-أيلول 2018 06:46:54 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=43871