كل الجيوش.. خاوى خاوى
سليم عزوز
سليم عزوز
 

يخُطئ الجزائريون إن ظنوا فعلاً أن تجربتهم تختلف عن تجربة المصريين، أو أن جيشهم غير الجيش المصري، لأن هذا إذا كان إيماناً وقر في القلب وصدقه العمل، فسوف تكون النتيجة واحدة، فهل ينظرون إلا الساعة تأتيهم بغتة وهم ولا يشعرون؟!

عندما أتحدث عن الجيوش، فأنا لا أقصد الأفراد، وإنما أقصد القادة، الذين جرى تعيينهم بالاختيار الحر المباشر من قبل الحكام المستبدين، وهنا لا فرق بين المشير محمد حسين طنطاوي، ورئيس أركان الجيش الجزائري، أو بين بيان القوم عشية تنحي مبارك، وبيان صاحبهم تمهيداً لقرار بوتفليقة بالتنحي، عندما تحدث عن العصابة التي تحكم وكأنه لم يكن واحداً منها، وكأنه جاء إلى موقعه بالاختيار الحر المباشر من قبل رجال الجيش، ولم يأت بقرار من الرئيس الجزائري!

التجربة المصرية:

في يوم جمعة الغضب، وهربت الشرطة في مصر، لم يكن حضور الجيش بقرار من قادته، من أجل حماية الثورة، أو الدفاع عن الثوار من بطش الشرطة، التي كانت قد انهارت، ولكن كان من أجل تقديم المؤن والذخيرة إليها، وساهم غياب الوعي في تكريس هذه الدعاية، وكأن مبارك ليس هو من اختار طنطاوي وزيراً للدفاع وسامي عنان رئيساً للأركان، تماما كما اختار حبيب العادلي وزيراً للداخلية!

 

   عندما أتحدث عن الجيوش، فأنا لا أقصد الأفراد، وإنما أقصد القادة، الذين جرى تعيينهم بالاختيار الحر المباشر من قبل الحكام المستبدين

ومع هذا كان لدينا حرص على تصديق الدعاية التي تقول إن الجيش رفض أوامر مبارك بضرب الثوار بالرصاص الحي، حتى عندما أعترف وزير الدفاع بأن مبارك لم يأمره أو يأمر أحداً بذلك، فقد كنا نريد أن نعيش اللحظة، وكانت النتيجة أن الرجل اعتبر الثورة رمية بغير رام، لتمكينه من الحكم المباشر، بعد مرحلة طويلة كان فيها مهمشاً ويخضع هاتفه ومن معه لتنصت وزير الداخلية، فقد حررتهم الثورة من ذلك، ورأوا أنه الفرصة مواتية لأن يحكموا البلاد، قبل أن يحملوا بقوة الدفع الثوري على مغادرة الحكم، ليعودوا إليه بالانقلاب العسكري في 3 تموز (يوليو)!

وفي الجزائر فقد هدد رئيس الأركان وتوعد، وعندما وجد الجماهير لا تلقي بالاً لتهديده ووعيده، وخرجت الملايين للشوارع، اندفع يحتمي بالثورة، ومؤكداً انحيازه للجماهير، ورافضاً لحكم العصابة، وكانت فرصة لأن نعلم أن العصابة تحكم الجزائر، فماذا فعل من قبل لمواجهة هذه العصابة، وأخشى أن يتطور الأمر لإحاطته بالأساطير كما أحيط المشير طنطاوي، الذي قيل أنه أوقف عملية بيع القطاع العام، بمجرد أن ضرب بيده على المائدة في اجتماع لمجلس الوزراء وهو يهتف: "كفاية"، مع أنه تأخر كثيراً، فقد جرى التفريط في القطاع العام على مدى ربع قرن، فلماذا لم يتدخل والأمر لم يكلفه سوى أن يضرب على المائدة وهو يقول: "كفاية"؟!

الانتقام من الخصوم:

لقد استغل المشير طنطاوي الثورة، في الانتقام من كل خصومه، الذين لم يكن يجرؤ أن يتنفس في مواجهتهم في عهد مبارك، بدءاً من اللواء عمر سليمان، وليس انتهاء بالفريق أحمد شفيق، باسم الثورة، وبمساعدة الثوار!

لقد كان مقرراً أن يستمر عمر سليمان في منصبه نائباً لرئيس الجمهورية بعد تنحي مبارك، لكنه بمجرد التنحي أغلق باب الرئاسة، ليفاجئ عمر سليمان بذلك، وهو ذاهب إلى مكتبه في صباح اليوم التالي، وعندما اتصل هاتفيا بالمشير كان الرد: نحن أغلقناه، وكأنه "محل بقالة"، وفهم المذكور الرسالة وكان أضعف من أن يواجه بعد فقده للسند، وأيقن أن المشير يريد أن يحكم حكماً منفرداً فغادر، ولم يكن له ذلك مع وجود رجل قوي في حجم الفريق أحمد شفيق، كرئيس للوزراء، فاستغل الزخم الثوري في الإطاحة به، بأن جعل هذا يجري على لسان الثوار، ومن خلال "كمين" قناة "أون تي في" وحرص صاحب القناة على الحضور ليشرف على المهمة بنفسه، ووجدها علاء الأسواني فرصة ليصول ويجول في الحلقة!

   كان الرد على تحذير المصريين إخوانهم في الجزائر من عاقبة الأمر، أن رفعوا شعار: الجيش والشعب.. خاوى خاوى، وكأنهم جاؤوا بجديد، وكأننا لم نرفع في مصر شعار: الجيش والشعب إيد واحدة

كان الحديث الثوري حق يراد به تمكين المشير من الانفراد بالسلطة، فليس مقبولاً أن يظل شفيق رئيسا للوزراء بعد تنحي من عينه، وهو مبارك، وكأن مبارك لم يقم بتعيين المشير وزيراً للدفاع، ولم ينصب المجلس العسكري قيماً على البلاد بقرار منه، ولم يستأذن فيه الثورة، ولم يتفاوض حوله مع الثوار!

وقد مكن هذا طنطاوي من أن يجلب شخصا كل قيمته أنه ضعيف لذات المنصب، هو الدكتور عصام شرف، وسط زفة من الثوار، أدخلت على الناس الغش والتدليس، بادعاء أنه رئيس الحكومة القادم من الميدان، في حين أنه رئيس الحكومة القادم من لجنة السياسات برئاسة جمال مبارك، وقد حضر آخر اجتماعاتها!

 

واستمر تنكيل المشير بخصومه، فقدمهم للمحاكمة بتهمة الفساد وبإرادة الثورة، وامتد تنكيله لحرم الرئيس المخلوع بدون أن يكون هذا مطلباً ثورياً، لكنه سرعان ما عدلت النيابة عن قرارها بعد تدخل حاد من الشيخة فاطمة حرم الشيخ زايد، التي جاءت للقاهرة ورفضت النزول من طائرتها حتى يتم التراجع عن هذا القرار، وهو ما حدث فعلاً!

كما فعل رئيس الأركان:

تماماً كما استغل قائد أركان الجيش الجزائري الزخم الثوري فأقال رئيس المخابرات، فإذا كان طنطاوي استغل وضعه الوظيفي كقائم بأعمال رئيس الدولة، فما هي الصفة التي بمقتضاها تمكن رئيس الأركان من إزاحة رئيس المخابرات في الجزائر؟!

   لا فرق ـ تقريبا ـ بين التجربتين، الجزائرية والمصرية فكل الجيوش العربية.. خاوى خاوى

وإذا كان قرار العزل أسعد الثوار، فإنه دليل على أنهم لم يستفيدوا من التجربة المصرية، لأنه إذا كان عزله مطلباً ثورياً، فإن تمكين رئيس الأركان من ذلك بدون مسوغ قانوني، سيدفعه مستغلا الثورة في القضاء على أجنحة الحكم المنافسة، تحت لافتة التخلص من حكم العصابة، ليفسح الطريق لنفسه، فيستيقظ الشعب الجزائري على وريث للحكم هو رئيس الأركان، وهنا يبدأ عمله على أن يكون هو الحاكم بأمره، إن لم ترشحه للحكم، فباختياره حاكما توافقيا، يمكنه من الحكم من وراء حجاب، وكأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا أنيس/ ولم يسمر بمكة سامر!

لقد كان الرد على تحذير المصريين إخوانهم في الجزائر من عاقبة الأمر، أن رفعوا شعار: الجيش والشعب.. خاوى خاوى، وكأنهم جاؤوا بجديد، وكأننا لم نرفع في مصر شعار: الجيش والشعب إيد واحدة؟ ولم نتوقف لنسأل "إيد واحدة" في مواجهة من؟ وبعد ذلك كان الهتاف: يسقط حكم العسكر، ثم استدعى فريق من الثوار حكم العسكر فجاء مرة أخرى، فقد نسوا ما ذُكروا به!

فلا فرق ـ تقريبا ـ بين التجربتين، فكل الجيوش العربية.. خاوى خاوى!

 
في الثلاثاء 09 إبريل-نيسان 2019 07:46:43 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=44257