المعارضة اليمنية ورهانات النجاح
د.فيصل الحذيفي
د.فيصل الحذيفي

تمر المعارضة اليمنية أمام مخاض عسير، واختبار صعب، سيحكم غدا لها أو عليها، فقد دخلت بمواجهة سياسية لا رجعة فيها – ليس مع الحزب الحاكم ( كلوبي سياسي ) ولكن مع صاحب السلطة الحقيقي وهو الرئيس على عبد الله صالح الذي تولى زمام السلطة في العام 1978 مستبطنة خلعه. ومن أجل ذلك نطرح السؤال: ما هي الرهانات التي تعول عليها المعارضة لتحقيق أهدافها السياسية ؟ وأيا من الأهداف تنشد؟ وعلى أي من هذه الرهانات تعول ؟. رهانات البقاء ، أم رهانات النجاح ؟. وسنستعرض تباعا أهم الرهانات – ذات الدلالة - المتحققة والمغيبة في الوقت الراهن :

أولا: العمل السياسي المشترك ( تكتل المعارضة)

الرهان على استمرار تجمع المعارضة (= اللقاء المشترك) دون فك عراه : لم يكن يتوقع الحزب الحاكم يوم بدايات تشكل اللقاء المشترك أن يصمد أمام تجربة الحاكم وخبرته في تفكييك العرى ، وكان يتيقن أن خليطا أيدلوجيا متناقضا إلى حد التقاتل لن يستمر، لكن صمود (المشترك) متحدا على مستوى القيادة، وقدرته على خلق التعاطي السياسي بين القواعد في مشروع سياسي واحد، شكل مفاجأة استعصى على الحاكم إضعافه بالوسائل المعتادة، وبالتالي فإن البحث عن وسائل تفكيك جديدة لابد أن يدرسها الحاكم بعناية. وبهذا الاستمرار يقع الرهان على نجاح المعارضة في فرض معطى سياسي جديد وهو فرض الثنائية السياسية المتكافئة على مستوى الفعل السياسي ( سلطة - معارضة) وأن يتشكل منها بداية فعلية للتداول السلمي على السلطة ولو بعد حين. والسؤال إلى أي مدى يدرك المشترك سر قوته بالعمل السياسي المشترك إلى درجة التماهي السياسي بديلا عن الحضور الأيدلوجي، والتخفـف من سوءات الأيدلوجيا على مستوى القواعد التي لا يزال ثأرا من الصراع يتأجج هنا وهناك. ومن تجليات هذا الرهان أن السلطة لم تعد تمسك العصا من المنتصف كما اعتادت بل باتت تمسك بأحد أطرافه.

إن استمرار اللقاء المشترك لأجيال متجددة قد يؤسس لحزب كبير اسمه تجمع المعارضة اليمنية، أو اتساع رقعة المشترك ليشمل قوى مدنية ومستقلة وحزبية أخرى، واستقطاب متصاعد لأعضاء جدد بدافع القناعة أو بدافع الاحتجاج والتذمر من الحاكم.

إن هذه التجربة الفريدة من تجمع الأحزاب المتناقضة في الأيدلوجيات ( إخوان ، اشتراكي ، ناصري ، مذهبي ) واتفاقها على الاشتغال بالسياسي وأن يظهر للجمهور كبديل مقنع عن حزب السلطة لن يكون سهلا على الحاكم كسر عظمه بالبساطة التي يستسهلها قلة من الطامحين الجدد داخل الحزب الحاكم دون أن يدخل البلاد في أتون حرب أهلية وانهيار مشروع الدولة. وهذا هو مبرر قرار الرئيس في تأجيل الانتخابات من اجل التوافق السياسي وهو قرار يدل على حنكة سياسية وليس انهزام كما يحلوا للبعض أن يفهم. وقد يكسب الطرفان إذا ما اتجها جديا نحو إرساء ديمقراطية حقة هروبا إلى الأمام ينتج عنها تنمية وبناء مشتركا للوطن.

ثانيا : حوار الأجيال بدلا من صراع الأجيال (ميكانزم التطور)

لا يزال الجيل القديم داخل الأحزاب يملك مهارات الإخضاع ، بينما يمتلك الجيل الجيد مهارات الإقناع ، والفرق شاسع بين هذه وتلك ، فهذه تقوم على المعارف والمهارات والخبرات المكتسبة ، بينما تلك تقوم على ( البـَسـْط ) كأساس للتملك والاستفراد بالرأي وممارسة التعالي والتعنيف والعقاب إذا لزم الأمر بطرق غير محسوسة، والفارق بين الجيلين هوة سحيقة لايدركها الجيل القديم المتشبث بسلطة الحزب السياسي اليمني منذ التأسيس، كما يشعر بها الجيل الجديد الكاظم غيظه، إن الشخوص في سلطة الدولة باقون مثل بقاء الشخوص في سلطة الأحزاب، معظمهم وجوه مألوفة. ولن يتم التأكد من حوار الأجيال في أحزاب المعارضة إلا إذا رأينا الجيل الثالث والرابع من الطلائع الحزبية والمثقفين الجدد يتبوؤن مواقع متقدمة في قيادة الأحزاب بالتنافس الديمقراطي داخل الأحزاب وليس بالتزكية أو الإيعاز أو الصراع بكسر العظم والانشقاق السياسي.

هذا الرهان سيؤسس لديمقراطية داخل الأحزاب تسمح بتصعيد قيادة جديدة بدءا من هيئآتها العمومية إلى لجانها وقياداتها العليا، وبروز كوادر حزبية متخصصة في السياسة والاقتصاد والإدارة والعلاقات العامة والإعلام والقانون بجميع فروعه والفكر السياسي والاجتماعي والإسلامي وعلم الاجتماع السياسي وعلوم المستقبليات والدراسات الإستراتيجية ، وليس مشائخ قبليين أو دعاة دينيين كما في الإصلاح أو كوادر الحزب القديم في الأحزاب الأخرى. وستـقدم أحزاب المعارضة نفسها بمظهر يختلف عن حزب السلطة: فالواضح للعيان أن سلوك السلطة المنـتـَـقـَد من الأحزاب لا يختلف عن سلوك أحزاب المعارضة، فالجميع يستمر في تملك السلطة، سواء سلطة الدولة بالنسبة للحزب الحاكم أو سلطة الحزب بالنسبة لأحزاب المعارضة، والكل يعمل على نقل القيادة بطريقة مبرمجة سلفا إلى خلفاء بعينهم وليس بطريقة ديمقراطية تتيح التنافس بين الأعضاء، فالكل لا يعترف بالعمل المؤسسي، وإن كان الاختلاف الشكلي ظاهريا يوحي بالمؤسسية المعلنة إنما ذلك نتاج اتفاق مبرمج قبل أي مؤتمر حزبي وقبل أي موسم انتخابي. وفي جميع الأحزاب - سلطة ومعارضة - تغيب الديمقراطية داخل الأحزاب وهي المؤشر الوحيد في قياس التحول الديمقراطي الفعلي على المستوى الاجتماعي والسياسي التي تمنح المجتمع المدني القدرة على المفاضلة بين السلطة والمعارضة، وبدون ذلك فإن السلطة على سوئها من وجهة معارضيها ستبدو أفيد للعامة، فبيدها مصالح يمكن الحصول عليها ، ولا مصالح بيد الأحزاب تمنحها للغير.

ثالثا: إحلال السياسة محل الأيدلوجيات( الواقعية)

ينبغي على الأحزاب التي تقوم أساسا على فكرة أيدلوجية أن تحتفظ بأيدلوجيتها لنفسها، وأن تتعامل مع المحيطين الاجتماعي والسياسي على أساس البرامج السياسية وتحقيق المصالح والأهداف، فالأيدلوجيات هي أدوات تمزيق وتمترس جبهوي، بينما السياسة هي أدوات تجمع مصالح، حيث لاعداوة أو صداقة دائمة، ولهذا افترق الاشتراكي والإصلاح كعدوين لدودين يوم كانا يحتكمان إلى موقفهما الأيدلوجي المتصلب، واجتمعا يوم أصبحت السياسة هي البديل عن الأيدلوجيا، وبالتالي فإن المطلوب من الإصلاح كحزب عقائدي أن لايتمترس وراء الخطاب الديني فهذا التمترس لو احتمى به أو إليه سيكون دليل فشله السياسي وربما سقوطه، فالدين ملك الجميع بعقد شخصي اختياري بين الإنسان وربه، والوطن وطن الجميع بعقد سياسي بين قوى المجتمع المنشئة للدولة والنظام السياسي.

إن البقاء في إسار الأيدلوجيات سيتطلب من الإصلاح إنتاج رجال دين دعاة ومرشدين ومجالهم الحقيقي تربوي في المدرسة والأسرة والحي والنادي والمسجد، وفي الاشتراكي سيعيد إنتاج أيدلوجيين ماركسيين وماويين وتروتسكيين ولينيين وأفكار المدرسة الاشتراكية الجديدة ضمن فرز نخبوي، وما ينسحب على هذين الحزبين الكبيرين ينسحب على الأحزاب الصغيرة فكل له أيدلوجيته يتغني بها.

رابعا: التسامح والانفتاح السياسي ( الفضاء المفتوح)

إن النظر إلى السلطة باعتبارها خلقا مسخا أو بشعا من منظور المعارضين لها، تجعل من السلطة عند المقارنة أكثر تسامحا مع الأفراد، فالرئيس الصالح وحكومته وسلطته السياسية تسمح لقادة الرأي وللمعارضة أن تتبع كل خطواتهم وعثراتهم والتشنيع بهم إلى حد السخرية والتهكم، ومع ذلك لا يحصل لمعظم قادة الرأي الكثير من المكروهات مما قد يحصل لفرد منتم لحزب سياسي قرر أن يعارض حزبه علنا فقد يتم التنكيل به بإحراق شخصيته حزبيا داخل الحزب فيغدو منعزلا ومحاربا ومبغـَضا دون أن يدرك سبب كل هذا، ناهيك لو انضم إلى حزب معارض وقرر مواجهة حزبه القديم بما يملك من فضائح مستورة وقرر نشر الغسيل علنا سواء لسياسة الحزب أو لحماقات قياداته وانحرافاتهم الأخلاقية والسياسية وسرقاتهم المالية وفسادهم الطاغي على فساد عتاة مفسدي السلطة، إن الديمقراطية هي مدرسة، هي ثقافة تسمح للفرد بالتعبير علنا عما يعـتـقـده صوابا وللحزب والجماعة القدرة بنفس الآلية أن يردوا : الرأي بالرأي والحجة بالحجة ، وهذا ينسحب على علاقة الأحزاب السياسية فيما بينها ، فنحن نتذكر يوما ما كان العداء طافحا بين الإصلاح والاشتراكي باعتباره حزبا ملحدا من وجهة نظر الإصلاح وهذا يحل دمهم، والاشتراكي ينظر إلى الإصلاح باعتباره حزبا رجعيا وظلاميا مما يوجب حله، والصراع المحتدم بين الإصلاح والناصري وتبنى الفريقان تركة المواجهة السياسية في بلد المنشأ بين عبد الناصر والإخوان، مع أننا في اليمن لم يكن لدينا عبد الناصر ولا سجون الإخوان وشهدائهم.

خامسا: وضوح المشروع السياسي للمعارضة (العلنية والشفافية)

لم يتبدى لنا جليا إلى الآن من المشروع سوى مفردة النضال السلمي ، لكن ما لذي بالإمكان أن تفعله هذه الأحزاب لو وصلت إلى السلطة، كيف يمكن أن تحل مشاكل البلاد والعباد، لاتجد جوابا مقنعا في خطاب وأدبيات المعارضة، وأنا كمواطن شريك في هذا البلاد مع الأحزاب والسلطة - والوطن سمي وطنا بمواطنيه أولا وليس بأحزابه - أتطلع إلى المقارنة بين البرامج السياسية لأكتشف الوضوح والعقلانية والشفافية مما يسمح للمتابع النشط بالفرز والتبني والنضال من أجل ذلك، فالمتتبع للبرامج السياسية بين برنامج المعارضة والسلطة يجد برنامجا واحدا لفريقين متصارعين، حتى أن المعارضة تتهم السلطة بسرقة برنامجها، والسلطة تتهم المعارضة بسرقة برنامجها، مع فارق النووي في برنامج المؤتمر، ربما الإجماع على القضايا ذات الأهمية والإلحاح المطلبي حولها خلق تشابها في موضوعات البرنامج السياسي، لكن آليات العمل لتنفيذ هذا البرنامج ليست ناجحة لدى الحزب الحاكم بسبب تراكم العثرات، وليست مجربة لدى المعارضة باعتبارها خارج مجال السلطة، والثابت أن فشلا سياسيا لإثبات القدرة على الانجاز هو ما يمكن ملاحظته أكثر من أي نتيجة أخرى .

ينبغي على حزب الإصلاح ( أكبر أحزاب المعارضة عددا وعدة وتأثيرا وانضباطا تنظيميا) تحديد موقفه من المرأة والطفولة وحرية التدين والاعتقاد: وليس مطلوبا من أي حزب إسلامي أن يكون وكيلا عن الله في عباده إن هم آمنوا وأخلصوا، أو فتروا وانزاحوا عن الطريق ، أهم ما يميز الإسلام أنه لا وجود لرجال دين فيه فلماذا يحرص بعض المتدينين في حزب الإصلاح أو الجماعات الدينية أن يكونوا رجال دين كما هو حال مجتمع الكنيسة ، إن من عدالة الله في عباده أنه يحسابهم على إيمانهم وكفرهم بإرادتهم الصرفة وليس بالإكراه أو الإيعاز من طرف آخر، إذا كان مما ورد في القرآن: من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ، إنا هديناه النجدين ، إما شاكرا وإما كفورا، لا إكراه في الدين ، فلمَ يصر البعض أن يكونوا في موقع الإله يزكون ويعاقبون وينكلون، لا نريد لحزب الإصلاح أو لجماعة دينية في اليمن تشتغل في السياسة أن تنقل إلينا التجربة الوهابية في السعودية وهيئة الأمر بالمعروف والنهي ‏عن المنكر، وحصر الإسلام والتدين بملاحقة الناس في الشوارع ليتأكدوا من صواب سلوكهم ومطابقته للدين.

التعاطي العلني في السياسة يعني أن لا تنهج أحزاب المعارضة فرادى أو في تجمع اللقاء المشترك نهج الكولسة والتحفظ والسرية عن العامة وهم أصحاب الشأن العام، وأن تسلك سبيل العلن والوضوح أمام أصحاب الشأن وهم جمهور الأحزاب وكافة المواطنين المعنيين بسياسة وبرامج الأحزاب، إن ما يميز السياسة وفق النهج الديمقراطي أنها لعب على المكشوف إلى حد ما تشبه لعبة الشطرنج ، إن الإصلاح كحزب سياسي يتسم بالقيادة التقليدية جدا والأداء المتستر على ما هو معلن ومعروف للقاصي والداني، فمعظم الباحثين – مثلا - واجهوا صعوبات للحصول على معلومات في الشأن السياسي من أرشيف ووثائق الحزب تحت دعوى السرية وهذا مخالف للقانون، فكيف نطالب السلطة بأن لا تحجب المعلومات علينا بينما نبرر لأنفسنا وما زلنا في موقع المعارضة بحجب المعلومات عن الصحافيين والباحثين، إن الكثير من الباحثين والأكاديميين وجدوا تعاونا من كل الأحزاب بما في ذلك الحزب الحاكم، والإصلاح وحده يضفي على أرشيفه الوثائقي صفة السرية جدا، مع أنه لا يمتلك من الأسرار ما يخفيه عن أي متابع وما بين يديه ليس سوى أرشفة الوثائق لمعطيات معروفة داخليا وخارجيا. وهذا منبع قلق من حزب يمنع وهو فاقد لما يمنع، فكيف إذا تولى زمام السلطة ؟ فما لذي سيبقيه متاحا ؟

وإذا كان قد حدد الاشتراكي علنا موقفه من الوحدة والديمقراطية كخيار لا رجعة عنها، وحدد موقفه من الحراك الجنوبي في مطالب حقوقية دون الموافقة على مشروع الانفصال ، فالمطلوب من الحزب الاشتراكي أن ينسى ماضيه القطري في الجنوب ليمتد عبر الوطن الواسع من الشرق إلى الغرب ومن الجنوب إلى الشمال فقد يصبح يوما ما حاكما للبلاد كلها وليس للجنوب القديم عبر مطلب الشراكة مع الحاكم.

سادسا: المضي قدما بالتشاور الوطني

أولا إن التشاور الوطني لن يكون حاسما لنجاحات المعارضة إلا إذا تحقق فيه شرطان، الأول: الانتقال من غرف الأحزاب وأقفاص الأيدلوجيا إلى رحابة المجتمع بكل فئاته ومطالبه ليكونوا شركاء في صياغة القرار بما في ذلك إشراك الحزب الحاكم. الثاني: خلق مدار اجتماعي متسع وحاضن وداعم للعمل السياسي دون المساس باستقلالية منظمات المجتمع المدني المُهيمَن عليها حاليا من السلطة والمعارضة، والتشاور الوطني لكل قضايا الوطن السياسية وغير السياسية. لقد بدأ التفكير بالتشاور الوطني من أجل انتخابات حرة ونزيهة فقط ، وبعد الاتفاق على التأجيل ينبغي أن يتسع التشاور بكل قضايا الوطن بدءا بالقضايا الشائكة وانتهاء بقضايا لا ينظر إليها وهي على درجة كبيرة من الأهمية مثل قضية التعليم وما يتصل بها من اكتساح ظاهرة الغش في الامتحانات وتأهيل المعلم والإدارة التعليمية المحايدة وبناء المدارس وإصلاح مناهج التعليم وإدخال مادة الحاسوب واللغات العالمية كمواد أساسية وتزويد المدارس كلها بالوسائل الضرورية لذلك، واستقلال الجامعات. وخلق جيل جديد لبناء مجتمع جديد، من هنا يبدأ التغيير الحقيقي ، وقد انتبهت النظم الاستبدادية لخطورة التعليم فأهملته وأصابته في مقتل لتتجنب تخريج جيل ثائر شره في المطالب، جيل متمرد يصعب قياده، بل يطلب أن يقود نفسه بنفسه، إنه النواة الحقيقية لتأسيس مجتمعات ديمقراطية قبل تأسيس نظم ديمقراطية، والقياس في هذا يجري أيضا على قضايا وطنية أخرى في السياسة والاقتصاد والاجتماع.

سابعا:الانتقال من حِمى القبيلة إلى حِمى الوطن( المسكوت عنه)

كلا الفريقين - السلطة والمعارضة – يتكئان على القبيلة - الأسرة كقوة ضاربة، ويفرزان نفس البدائل، والبدائل لكلا الفريقين هي التوريث السياسي داخل المعطى القبلي ، فالسلطة تسعى لتوريث السلطة لأحمد علي من سنحان حاشد، والمعارضة ممثلة بالإصلاح على الأقل تسعى بتوريث القيادة للشيخ حميد الأحمر من خمر حاشد، ويغيب المجتمع المدني كأهم مقوم للدولة المدنية الحديثة من كلا الطرحين، إنه بؤس المحاكاة والتشابه، لا أدري كيف يسمح السياسيون لأنفسهم أن يستعملوا القبيلة بدلا من الدولة والوطن بأفقه الرحب مرجعا حِمائيا ، لابد من فك عرى الزواج الكاثوليكي بين السياسي والقبلي ليصبح القبلي تابع للسياسي وليس العكس، لابد أن تمر اليمن بمرحلة انتقالية جديدة - عبر الثقافة والتعليم ورفع الوعي العام - تعيد بناء السياسي والمدني خارج بيضة القبيلة. إن التشاور الوطني إذا تم بطريقة ديمقراطية قد يفضي إلى فسخ هذه الزيجة الأبدية، وإن استمرار منح القبيلة دورا يتجاوز الوطن والدولة قد يحرض القبائل المندثرة إلى الإحياء القبلي، وعلى بدائل القبيلة المتمثلة بـ( أحمد علي أو حميد الأحمر ) أن يقبلا بعضويتهما المدنية وليس القبلية باعتبارهما تابعين للوطن وليس الوطن تابعا أو ملكا لهما.

هل بوسع المعارضة أن تؤسس لخلق مجتمع مدني بدلا من الاستمرار في إسار المجتمع القلبي لتتشكل الدولة حيث يسود القانون بدلا من أعراف القبيلة، إن قانون الدولة يسود على الجميع بواسطة سلطة القضاء بحل كل المشاكل والنزاعات فتحمي الحقوق والحريات وتتحقق المساواة، بينما عرف القبيلة يجعل منها قادرة على أخذ الثأر بنفسها دونا عن الدولة، كما فعلت قبائل همدان في اقتحام جامعة صنعاء منذ أيام، وتستطيع القبيلة كما فعلت سابقا جمع حشودها المسلحة من ذمار أو مارب للاقتصاص بنفسها من غرمائها في تعز، وتسمح دولة القبيلة للقبائل بالانتقال من هناك بجميع أنواع الأسلحة وضرب الخيام خارج تعز أو في قلبها حتى تستلم من الجاه والأموال ما يرجعها سالمة بأسلحتها إلى خدورها ، بينما تظل دولة القبيلة مسلطة سيفها على المدنيين في تعز أو عدن أو الحديدة من ممارسة نفس السلوك الذي تمارسه القبيلة. المطلوب الانتقال من دولة القبيلة إلى دولة المجتمع (الدولة الأمة) وهذه مسؤولية مشتركة بين السلطة والمعارضة والمجتمع المدني. وعلى السلطة أن تجيب على أسئلة مطروحة: لماذا تظل محافظات مثل: شبوة والجوف ومارب وصعدة خارج سياج الدولة ؟ وهو خروج عن القانون وخروج عن برنامج التنمية وخروج عن الإدماج الاجتماعي.

hodaifah@yahoo.com


في الخميس 26 مارس - آذار 2009 08:07:02 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=5073