من ينقذ اليمن؟
نجيب غلاب
نجيب غلاب

من ينقذ اليمن من مستقبل مجهول ونفق مظلم يحفره أبناؤه بأيديهم؟ ومن ينتبه للخطر القادم من جنوب الجزيرة العربية لا على الأمن الإقليمي بل وحتى العالمي؟ اليمن منطقة رخوة وهشة ومن السهولة اختراقها، فالتركيبة القبلية والصراع السياسي على غنائم الدولة هي المحرك الفاعل للنخب المهيمنة، والنخب الفاعلة في الساحة الاجتماعية والسياسية وهي قبلية في أغلبها على استعداد أن تبيع ضميرها للشيطان لتضخيم مصالحها.

وجدت إيران ضالتها لإنهاك أمن العرب القومي في اليمن، وهي الآن تتحكم بآلة تنظيمية قوية وفاعلة وقادرة على التعبئة والانتشار، حيث إن الدولة اليمنية بجيشها وعتادها وتحالفاتها القبلية لم تتمكن في خمس حروب متلاحقة من القضاء عليها بل إنها تتوسع وتزداد قوتها مع كل معركة وقد وصلت إلى مشارف صنعاء في الحرب الأخيرة، ولم يجد الرئيس صالح في ظل خوفه المتعاظم من طموحات النخب القبلية والقوى الأصولية الإسلامية ونتيجة عجزه عن حسم المعركة إلا أن يعلن إيقاف الحرب لتعلن «الحوثية» انتصارها وتتمكن من الهيمنة على صعدة وتمد جذورها إلى (الجوف) وأجزاء من مناطق قبيلة (بكيل) وقبيلة (حاشد) بعد أن كانت محاصرة في منطقة مران.

الإستراتيجية الإيرانية لن تكتمل ولن تحقق طموحاتها في الهيمنة على المنطقة ما لم تتمكن من بناء نظام سياسي تابع لها أو متحكمة فيه في اليمن، ولأن ذلك يبدو مستحيلا في ظل النظام الحالي وفي ظل الدولة الوطنية القوية والمستقرة فإن نشر الفوضى وتفكيك اليمن هو المدخل الأساسي لبناء دولة تأتمر بأمر الملالي. وتعتقد طهران أن اليمن أسهل الدول العربية لابتلاعها في المرحلة القادمة بل وتحويله إلى قوة عنيفة لزعزعة استقرار الخليج وأمن الممرات المائية.

هذا الأمر ليس مبالغا فيه فإشغال المملكة في خاصرتها الجنوبية ومحاصرة مصر وإشغال الدول العربية في الصراعات البينية من أهم الآليات التي تتبعها استراتيجية الملالي لمد نفوذها وهيمنتها على العالم العربي وإشغال المنظومة الدولية، وتفكيك اليمن وتفتيته إلى دويلات مدخل أساسي لتكوين الدولة التابعة لتنظيم الحوثي.

وقد بدأت الحوثية تدشين معركتها مع المملكة السعودية قبل أن تكوّن دويلتها حتى! فالسعودية هي من يمول النظام غير الشرعي في صنعاء لضربها ـ حسب اعتقادهم ـ وألمحت الحركة الحوثية إلى أن اتفاقيات الحدود التي تنازل فيها النظام عن أراضيه لاغية بل ولمحت إلى أراض سعودية باعتبارها تابعة للإمام الزيدي ولا يمكنهم أن يتخلوا عن أرض الأجداد.

المسألة الجنوبية والانفصال ودفع الجنوبيين للتعامل مع النظام السياسي في اليمن كمحتل لأرض الجنوب، وزرع الحقد والكراهية بين أبناء الشعب الواحد، ليس إلا المقدمة التي من خلالها يهيئ الجناح السياسي للحوثية الأرض لمعركة طويلة المدى، كما أن دفعه للقوى المعارضة لممارسة خطاب انقلابي ناف للحكم ولشرعية رئيسه ومن خلال دفع الأصولية الإسلاموية لضرب القوى الحديثة في منظومة الحكم ليس إلا المداخل الأساسية لتفجير اليمن، وتشتيت طاقة النظام والمعارضة في صراعات عبثية تقود الجميع إلى الحرب.

يمكن القول إن أبناء اليمن يكنون الكثير من الاحترام والتقدير للسعودية ولدول الخليج، وقد تمكنت النخبة الوطنية في اليمن بعد أن أدركت بوضوح مصالح اليمن الحقيقية تجاوز التطرف الذي رسخه الصراع العربي في الستينيات وفي بداية التسعينيات وأصبح أبناء اليمن يربطون أمنهم واستقرارهم بعلاقات قوية وعميقة مع دول الخليج، وهذا ما أغاظ المهووسين بإيران وبإيديولوجيتها الدينية المتطرفة، ولديهم اعتقاد أن تفكيك اليمن إذا كان مهما لدولتهم القادمة فإنه سيكون مهما لتشويه صورة الخليج والسعودية، بحيث يتم تحميل مسؤولية الانفصال والحروب اليمنية حتى يتمكنوا من إعادة تعبئة الشارع اليمني خصوصا الشمالي والهدف إلحاقه في حالة حدوث الانفصال بإيران والمهم تبرير الصراع القادم الذي تعد له إيران لإشغال المملكة والخليج ليس في اليمن بل في عمق أراضيهم.

الصراع الداخلي في اليمن والذي يتحرك في وسطه الجناح السياسي التابع لإيران والمنتشر في مفاصل الدولة والمجتمع وتدعمه قوى إقليميه، ودعونا نقولها صراحة «بعضها» خليجي وبعضها لا يعي أن دعمه لهذا الجناح هو من يقود اليمن إلى الحاضنة الإيرانية، بل إن دولة معينة تتدخل لإثبات وجودها الضعيف بالمال في الساحة، ومنطق الأحداث يؤكد أنها لا تدرك مخاطر لعبتها في اليمن بالتحالف مع إيران، لأن انفجار الوضع سوف يصيب الجميع ومنطق المصالح والأمن قد يؤدي إلى فقدان الأمن كله للاعبين الصغار في معارك الكبار.

وحتى لا يتم تحميل الخارج كل مشاكلنا فإن النخب الأنانية بعدم قدرتها على بناء الدولة المدنية وتعظيم دور القبيلة، كل ذلك قاد اليمن إلى صراعات كثيرة، وفي المرحلة الحالية فإن الجميع بأفعالهم وتناقض مصالحهم وتنازع أفكارهم يهددون وجود الدولة كليا ويقودون المجتمع نحو صراعات دموية ربما تعصف باليمن في حرب أهلية لا أول لها ولا آخر.

ونتائج هذه الحرب ستكون كالتالي:

* تكوين دولة عدن وما جاورها، وأيضا دولة حضرموت الكبرى.

* هيمنة الحركة الحوثية على المناطق الزيدية خصوصا مناطق القبائل وهي مركز القوة القتالية في اليمن كله والتي تشمل صعدة والجوف ومأرب ومحافظة صنعاء وحجة وتمتد إلى الحديدة وربما ذمار إلى جبل سمارة.

* تركز الإخوان المسلمين بتحالف مع تيارات أخرى في مناطق أب وتعز والضالع وربما أبين والبيضاء.

* سوف تتحول اليمن إلى ساحة للصراعات الإقليمية والدولية.

* تحويل اليمن إلى مركز عالمي لـ«القاعدة».

مسألة مهمة لا بد من ذكرها لأن إيران توظفها في الصراع اليمني وهي ترسيخ فكرة أن اليمن الشمالي محتل لليمن الجنوبي ويتم التعامل معه كمستعمر ولا بد من قيادة حرب تحرير الأرض من الأخ المستعمر، وهذه الفكرة الخطيرة هي المدخل الذي سوف تعتمده في حالة تمرير الانفصال على كثير من الدول العربية ولن تتوانى إيران من دعم أنصارها لتكوين دولهم ولمقاومة الحكومات العربية وإشغال العرب بأنفسهم لتصبح إيران هي صاحبة القول الفصل في شؤون المنطقة. وهذه الإستراتيجية المتبعة لا تختلف عن الإستراتيجية الإسرائيلية، ولأن إسرائيل لا تمتلك أدوات في المجتمعات العربية فإن إيران تنفذ إستراتيجية تل أبيب لكن من أجل هيمنة ملالي طهران!

الحل الوحيد أمام اليمنيين في هذه المرحلة لتجاوز المخاطر التي يمكن أن تجعل اليمن غابة من القتال وأنهارا من الدماء، وللحفاظ على مستقبلهم الذي يمكن أن يضيع كله في مهب الصراعات الدامية هو التوافق في المرحلة الحالية على التالي:

* مواجهة الحركات السياسية المناهضة للدولة، وضرب التدخلات الإيرانية بقوة وحسم وقطع العلاقات معها.

* مواجهة المتطرفين داخل القوى السياسية في الحكم والمعارضة، على حد سواء، والتركيز على التوافق بين القوى السياسية بما يساعدهم على بناء المستقبل.

* الحوار الجاد والمخلص على قاعدة المصالح الوطنية كما أسست لها الحركة الوطنية وبما يتواءم مع العصر بين القوى السياسية الفاعلة وبما يخدم مصالح الناس ويحافظ على قيم ومبادئ المشروع الوطني ويحقق الأمن والاستقرار لليمن الموحد.

* معالجة المشاكل المختلفة التي أفرزتها الصراعات السياسية ولا مانع من الاستعانة بالإخوان العرب وقبول وساطتهم.

* ضرورة عودة المعارضين بالخارج وإعادة بناء النظام السياسي بما يحقق مصالح الجميع. أما الإخوة العرب، ومن أجل حماية أمنهم القومي وتدعيما لقوته ومحاصرة لأعدائهم من دول وحركات إرهابية، فإن المطلوب هو مساعدة اليمن لإخراجه من أزمته الراهنة ببعدها السياسي والاقتصادي وتأهيله ليصبح عضوا في مجلس التعاون، لأن ترك اليمن فقيرا ووحيدا في محيط غني سوف يحوله إلى بؤرة مذلة لأمن العرب القومي.

هذه هي الصورة الحالية في اليمن، حتى يرى من لا يرى.

* نقلا عن صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية


في السبت 02 مايو 2009 06:40:31 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=5232