متطلبات الحوار في سياق دعوة الرئيس للمصالحة
د.فيصل الحذيفي
د.فيصل الحذيفي

إن كل حوار جاد له متطلبات واشتراطات ، ونحن هنا سنشير إلى المتطلبات الإجرائية – وهذه ليست اشتراطات – فمن ضمن هذه المتطلبات اشتراك الجميع دون استثناء، واختيار الفريق المحاور بعناية، والتخلي عن المناكفات الإعلامية، وإعادة بناء الثقة. فالمعلوم أن اليمنيين قبل الوحدة كانوا موحدين اجتماعيا وممزقين سياسيا، وبعد الوحدة صاروا موحدين سياسيا ولكنهم متجهين نحو التمزق الاجتماعي (تعميق الكراهية لكل ما هو شمالي جنوبي) والإقرار بمخرج وحيد للأزمة وهو الاحتكام إلى الشعب واحترام خياراته وعدم المراهنة والتعويل على التزوير في الانتخابات، وتشكيل حكومة انتقالية من الجميع تشرف على الانتخابات وتفضي إلى انتقال سلس للسلطة إلى من يمنحهم الشعب ثقته، إن أي انتكاسة في الحوار ستدفع بالبلاد إلى أتون حرب أهلية بدءا من أي انتخابات أو استفتاء قادم. وفي هذه السطور سنشير إلى بعض هذه المتطلبات :

المطلب الأول: المطلوب بادئ ذي بدء الذهاب إلى طاولة الحوار «أولا»: ومن ثم تحديد آلياته ومتطلباته وأطرافه وموضوعاته ونقاشها بكل موضوعية على الطاولة وليس عبر الرسائل المتبادلة التي ظهرت بين السلطة واللقاء المشترك كنذير صراع واستمرار له، وأن يكون الحوار علنيا لأنه شأنا يمنيا يخص كل الوطن والمواطنين ولا يخص الأطراف المتحاورة ، فهي ليست إلا أطرافا تمثل بعضا من المواطنين وليس كل المواطنين، وفي طاولة الحوار تطرح قضايا النقاش بندا بندا وتعطى تقييما وتصويتا أغلبيا من أطراف الحوار حتى لو اقتضى الأمر عند اشتداد الخلاف الذهاب لاستفتاء المواطنين أو توسيع رقعة الحوار بين صنوف النخبة ليتم إقرار النتائج بأغلبية المشاركين الممثلين لليمن وليس بأقوى المشاركين الممثلين للحوار. لأن التزمين المقترح لجدول الحوار من طرف الحزب الحكم الوارد في رسالة الدكتور عبد الكريم الارياني كان اعتداء صارخا على خيارات الأطراف المتحاورة وهي سقطة – نتمنى أن تكون غير مقصودة – لا تنبئ عن جدية في الحوار وإخراج البلاد والعباد من أتون الأزمات ، فكل طرف معني بالحوار هو معني أيضا بإعداد برنامج الحوار وما يترتب عليه.

المطلب الثاني: المتحاورون :

فريق السلطة : بالنسبة للسلطة ينبغي أن يشكل فريقها من رجال دولة وليس من رجال القبيلة والعسكر أو رموز الفساد ، ونعتقد أن الشخصيات التي تحظى باحترام عام مثل:( د.أحمد الأصبحي ، د. صالح باصرة ، عبد القادر هلال ، صالح عباد الخولاني، سالم باسندوة، عبد السلام العنسي ) وآخرون على قدرهم أجدر من غيرهم للقيام بهذا الدور، لأن الفريق المحاور سيكون منتجا لمشروع « إعادة بناء الدولة ». وهذا الفريق الذي سيمثل الحزب الحاكم والسلطة السياسية سيجلس مع فريق أشمل يمثل التكوينات السياسية والاجتماعية التي تمثل الفرقاء المتحاورين. وليس مستحبا أن يكون المحاور شخصا وحيدا هو الدكتور الارياني فهو شخص يجيد المراوغة أكثر من الحوار، كما أنه شخص بحكم قربه من صناعة القرار أسهم على مدى طويل في تشكيل النخبة السياسية الفاسدة في السلطة الآن، وبالتالي فلن يكون الحوار الذي يتولاه جدير بالمصداقية مع احترامنا الشخصي له.

فريق المجتمع : بالنسبة لهذا الفريق ينبغي أن يمثل كل الأطياف بدءا بأحزاب اللقاء المشترك ، ومنظمات المجتمع المدني، والشخصيات الأكاديمية والوطنية، والحراك الجنوبي، والحوثيين والقاعدة، والمعارضة في الخارج وأشدد على هؤلاء لأننا نعيب عليهم تبرئهم من اليمن ورفع شعار الجنوب العربي لأننا أيضا نستبعدهم من انتسابهم إلى الوطن وهم شركاء فيه، لأن المشاكل الأكثر عراكا وصداما هي مع الحراك الجنوبي والحوثيين في صعدة وليس من الحكمة تحاور النخبة السياسية مع ذاتها واستثناء بؤر التوتر والصراع العنيف. لقد سبق لنظام الرئيس صالح قبل الوحدة بالتحاور مع الجبهة الوطنية الديمقراطية التي حملت السلاح ضد السلطة والدولة آنذاك فلماذا يصح الحوار هناك ولا يصح الحوار هنا.

المطلب الثالث: اليمن وطن الجميع : في سياق الحوار ينبغي النظر إلى اليمن باعتبارها وطن للجميع بما في ذلك الوحدويين والانفصاليين الصالحين والطالحين الشماليين والجنوبيين الحكام والمحكومين السلطة والمعارضة ، ولكونها وطن الجميع فإن تحديد الحوار بين طرفين هما الحزب الحاكم وأحزاب اللقاء المشترك يجنح إلى استثناء الأغلبية الشعبية من الحوار وهي المعنية بما يجري في اليمن مثل غيرها من النخب السياسية المتصارعة، إن مثل هذا الاستثناء سيؤدي إلى اختزال ومصادرة الوطن من قبل المتحاورين لأنفسهم، وبالتالي فأين سيكون موقع المواطن اليمني وأطراف مجتمعية أخرى. والإيمان بهذه القاعدة يقتضي الفصل بين القضايا السياسية والقضايا القانونية، والتفريق بين السياسة والقانون يعني أن نطلق كل المعتقلين السياسيين تحت أي ذريعة.

ينبغي الإقرار بأن السلطة في اليمن هي سلطة أبوية بامتياز، ونحن نرضاها – حبا أو كراهية -ونتعايش معها حتى يتم التحول التدريجي إلى سلطة المؤسسات، ولكونها سلطة أبوية ينبغي أن تتعامل مع رعاياها بمنطق علاقة الأب مع أبنائه، إن الأب الذي يتلقى اللعنات من عموم الناس دوما لأنه أساء تربية بعض أولاده لا يلوم سوى نفسه، وأن انحراف بعض الأبناء لا يعفي الأب من المسؤولية عنهم سواء كانوا صالحين أو طائعين ، ونحن هنا في هذا المقام نذكر فخامة الرئيس أنه في ظل سلطة الفرد يصبح الحاكم في مقام الأب للشعب، ولإثبات حسن النية للمصالحة تقتضي أن يقر الرئيس بأنه رئيس لكل اليمنيين طالحهم قبل صالحهم وأن يعترف لكل المواطنين بمواطنتهم وانتمائهم لهذا البلد سواء كانوا وحدويين أو انفصاليين، وأن يستذكر مع نفسه هتاف الناس له في الجنوب إبان إعلان الوحدة باعتباره رمزا وبطلا ، فمالذي غير القوم ومن الذي تغير؟ الناس أم سلطة الرئيس ؟.

ولإثبات حسن النية في الدعوة إلى المصالحة فإن الأمر يقتضي إسكات الصحف الرسمية - التي هي ملكنا جميعا – من كيل السباب والشتائم لبعض المواطنين غير الصالحين من وجهة نظر الإعلام الحكومي والسياسة الرسمية، مع الإقرار بحق المعارضة والصحف الأهلية في شتم ونقد وفضح من تريد لسببين : لأنها صحف معارضة ومستقلة وهذه وظيفتها ، وثانيا: لأنها لا تمول من أموال الحكومة ولا من أموال الشعب وإنما من قارئيها. نريد من الرئيس أن يحس بغضب الناس العارم فهو مؤشر خطير في تآكل شرعية السلطة وتهاوي الدولة، فلا يصح بحال أن تلعن صحف الحكومة مواطنيها صباحا ومساء بأموالهم وبصحف هي ملكهم، وليكتف الحزب الحاكم بمقارعة وشتم ونقد خصومه بصحفه الحزبية فقط.

المطلب الرابع : المعارضة من أجل الوطن : نريد من المعارضة أن تستشعر المسؤولية وأن تستجيب إلى الدعوة بصدر رحب وأن تمارس في صحافتها حق النقد لذاتها ولأعضائها ولأداء حزبها ، فلكي نكون ديمقراطيين لابد أن نمارس الديمقراطية الحقة داخل الحزب أولا قبل أن نطالب السلطة بتطبيقها معنا، إن القيادات الحزبية لا تزال تحول دون وصول الصف الثاني والثالث إلى موقع القيادة وهم هنا متساوون مع السلطة في حبهم واحتكارهم للسلطة، وسيظل غياب المجتمع المدني الفاعل سببا في بقاء الوضع السياسي الرسمي والمعارض على ما هو عليه ، لنتذكر معا أن قوة المجتمع المدني في تركيا هو من أوصل حزبا جديدا إلى السلطة من الصف الثاني والثالث بين عشية وضحاها وأثبت جدارته بعد إزاحة الآباء المؤسسين من جهة وتقليص سلطة العسكر من جهة أخرى. والنتيجة المرجوة هي إدخال الوطن إلى اعتبارات السلطة والأحزاب المعارضة ليكون ثابتا في حساباتهم أثناء الحوار وليس بقاء الوطن خارج سياقات الحوار كما هو حاصل ومستمر.

المطلب الخامس : مصداقية السلطة: إعادة الثقة للناس بمصداقية الخطاب المألوف منذ ثلاثين عاما ، القطيعة مع الكذب والتزوير لأننا كلنا نمارس هذه الرذائل (سلطة معارضة مجتمع أفراد) حتى أن الظاهرة تفشت في أخلاق المجتمع، لأن تفشي ظاهرة الخداع والكذب والتزوير هي الحاكمة للسلوك السياسي والاجتماعي على السواء وهذا ما يعزز الفرقة الاجتماعية والكراهية والعنف الاجتماعي، ومثل هذا السلوك يفرض على السلطة إطلاق حرية الصحافة والصحافيين، والحريات السياسية بممارسة الأنشطة من تظاهر ومسيرات واعتصامات واحتجاجات دون ملاحقة أو تضييق ولنترك للقضاء الحسم بموضوع المخالفات والجنج والجنايات التي يطالها القانون دون التوجيه والتأثير على القضاة أو التدخل في أحكامهم، لان الوزير الذي يتقاضى شهريا ملايين الريالات ليس على استعداد إذا سأله الرئيس عن الوضع أن يقول سوى تمام يافندم، إذن الصحافة والأحزاب هي من ستكشف الغطاء عن عورات السلطة، والحكومة ستتحمل وزر الانهيار السياسي لأنها ببساطة تقبل مالا ينبغي قبوله.

المطلب السادس: لا أحد فوق القانون: المسارعة أثناء الحوار إلى إلغاء الحصانة الإجرائية التي تحول دون ملاحقة المسؤولين الكبار قضائيا بما في ذلك رئيس الجمهورية ونوابه ورئيس الحكومة ونوابه والوزراء ونوابهم ووكلائهم وأعضاء مجلسي الشورى والنواب، فقد لوحق موحد ألمانيا الزعيم العظيم هلمت كول ولم تشفع له أعماله في توحيد ألمانيا ومساهماته الفعالة في توحيد أوروبا بكاملها بجهوده الجبارة، ولم تشفع لـ بل كلنتون ما حققه من ازدهار اقتصادي واجتماعي لأمريكا وخضع للملاحقات والمحاكمات وتحريك أكثر من دعوى قضائية ضده .

المطلب السابع : الخيارات المشروعة: التيقن بأن الحل الوحيد والأوحد المنبثق عن أي حوار هو إجراء انتخابات حرة ونزيهة تخلو من أي تجاوزات قد تؤدي إلى بداية حرب أهلية بدءا من صناديق الاقتراع ، إن الإمعان باستهبال الناس والمضي إلى الانتخابات بسوء نية وبالآليات القديمة ستؤدي حتما إلى احتراب أهلي وتمزيق للوطن، إن الخروج من السلطة عبر الانتخابات أكثر شرفا من الخروج منها بالحرب الأهلية أوتمزيق الوطن وتكريس الثأر السياسي (نموذج تشاوسسكو)

المطلب الأخير : النزاهة والشفافية: الذهاب إلى الحوار مع التسليم بأن أي تعديلات تشريعية ينبغي أن تقتصر آنيا على قانون الانتخابات فقط، وتترك تعديلات الدستور والقوانين المنبثقة عنه وإعادة بناء الدولة وهيكلتها الإدارية لسلطة منتخبة موثوق بها لأن السلطة الحالية والنظام السياسي (سلطة ومعارضة) ليست أمينة على أي تعديل لصالح الأمة. وهذا الإجراء يقتضي تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية من الشخصيات الوطنية والمستقلة للإشراف على الانتخابات القادمة دون تدخل كمتطلب لإثبات المصداقية والثقة بوجاهة الإجراءات المزمعة وجديتها.

hodaifah@yahoo.com


في الثلاثاء 21 يوليو-تموز 2009 08:32:52 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=5599