من يخرج الإسلام من السراديب
د. محمد جميح
د. محمد جميح

هكذا بين عشية وضحاها أفقنا على واقع مر، إحدى سخريات الأيام، أفقنا لنجد محمود أحمدي نجاد وزميله أيمن الظواهري - هما - الناطقين الرسميين للإسلام.

في حين غفلة خطف نجاد الإسلام، امتطاه إلى أن وقف به على باب السرداب، منتظرا خروج صاحب الزمان.

نصغي جيدا لأحمدي نجاد وهو يخطب، يتوعد، يفسر، يحدثنا عن المهدي «مهدي نجاد بالطبع» الذي يتحكم في أجزاء الكون ويسيِّره كما يشاء. لا يغفل أحمدي نجاد عن تذكيرنا بأن الفتن الكثيرة التي أطلت برأسها وأظلافها على بلاد المسلمين ما هي إلا تباشير خروج إمام الزمان.

يقول نجاد إنه رأى هالة من نور تظلله وهو يلقي على العالم خطابه الشهير من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، معجزة من حجم توراتي ولا شك، لا تتأتى إلا لأولئك المرابطين على أبواب السراديب والمغارات في انتظار القادم المنتظر الذي لا يمنعه من الخروج إلا أن الفتن في العالم ما زالت أقل من أن تستدعي خروجه.

هكذا فسر نجاد الإسلام، وهكذا قدم نسخته العصرية للدين ممهورة بتوقيعه ومصادقا عليها بخاتمه.

مزج عجيب بين الدين والسياسة، بين الدين والخرافة، بين الدين والتعصب القومي، بين الدين والطموح النووي الذي لا بد أن المهدي يحتاج إليه في مقارعة قوى الاستكبار العالمي.

الأمر ذاته فعله زميل نجاد في الاجتهاد والريادة الحضارية أيمن الظواهري، الذي قسم العالم إلى فُسطاطين: فُسطاط إسلام وكفر.. ثم قسم فسطاط الإسلام إلى فسطاطين آخرين: فسطاط إيمان وفسطاط نفاق.

وكما فعل نجاد بالإسلام فإن الظواهري أخذ الإسلام يجره إلى كهوف تورا بورا، وكأن الإسلام يمكن أن يحويه كهف من الكهوف أو سرداب من السراديب.

يرسل لنا الظواهري بأشرطة الفيديو من أعماق الكهوف، فنتسمَّر أمام شاشات الفضائيات نستمع إلى النسخة المترجمة من الإسلام الظواهري، مصبوغة بظلمة الكهوف العميقة والأفكار المفخخة والاجتهادات الناسفة.

لا ينسى الظواهري أن يذكرنا في كل شريط بغزوتيه الشهيرتين على واشنطن ونيويورك اللتين جلبتا «العزة والمنعة» للمسلمين بعد أن أصابتا الكفر في مقتل.

ما الذي جرى؟ لماذا وصلنا إلى هنا؟ ما الأسباب، ما العوامل؟ كيف نخرج من السرداب؟ كيف نهرب من تورا بورا؟ من ينقذنا من أحمدي نجاد؟ من يخلصنا من أيمن الظواهري؟

كيف - في حين غفلة - أصبح نجاد والظواهري ناطقين رسميين باسم الإسلام، يتحدثان باسمه إلينا ويمثلانه في المحافل الدولية؟ من أعطاهما حق الوصاية علينا؟ من أذِنَ لهما بتمثيلنا؟

كيف انزوى الإسلام معهما داخل «سرداب» يقتات من فيوضاته أحمدي نجاد و«كهف» يعيش داخله أيمن الظواهري؟

هل يعقل أن الإسلام الذي أنجب معجزة الجيل الأول، والذي انفتح على معظم الثقافات وتعامل معها، وصهرها في بوتقته، الإسلام الذي أعاد تشكيل ثقافات أمم وشعوب شتى، هل يعقل أن هذا الإسلام لم يبق من إشعاعه الفكري وفيضه الروحي إلا تجليات نجاد وتنظيرات الظواهري؟

أين ذهبت مدرسة أبي حنيفة وجعفر الصادق والشافعي وزيد؟ كيف سمحنا لنجاد أن يحشر الكندي والفارابي والرازي مرة واحدة في سردابه؟ من وكل الظواهري أن يتحدث باسم كوكبة فيهم أبو يوسف والجرجاني وابن حزم؟ هل يعقل أن تنتهي مدرسة جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا إلى إحدى المغارات؟

من الذي يستطيع أن يقول لأحمدي نجاد أنت على خطأ، أنت تجر الإسلام والمسلمين إلى هاوية السراديب؟ من يجرؤ على أن يخطئ رجلا تظلله هالة من نور فوق رأسه ويناجي المهدي في خلواته مع عدد من أهل «الفتوحات الروحانية والفيوضات الإلهية» في طهران وقم؟ من يستطيع الاقتراب من قدسية نجاد وهو الممسك بأصابع المهدي التي «تدير شؤون العالم»؟ وبالمقابل من يقدر على مواجهة صاحب «غزوتي واشنطن ونيويورك»؟ من يستطيع أن يقول له لقد أخطأت؟ من يجرؤ على تخطئة المجاهدين وهم أرشدنا سبيلا؟

كيف نواجه الظواهري بحجم الدمار المعنوي قبل المادي الذي ألحقه بالإسلام والمسلمين؟ ألا يتحمل هذا الرجل جزءا عظيما من المسؤولية عما حدث للمسلمين بعد غزوتيه؟

ألا نستطيع أن نقول له لقد أحدثت بغزوتيك فجوة في سد يأجوج ومأجوج، وقد تداعت الأمم علينا كما تتداعى الأكَلَة إلى قصعتها ونحن ندس رؤوسنا في الرمال أو في السراديب؟

آن لنا أن نعترف: خطف نجاد والظواهري الإسلام، ذهبا به بعيدا في الكهوف والسراديب. تفسيرهما للإسلام مخضب برائحة الدم، وقحولة الجبال، ورطوبة المغارات.

أصابنا الجبن ونحن نستمع إليهما يتحدثان باسم الإسلام فلم نرفض تمثيلهما لنا وللإسلام، نحن شركاء في جريمة اختطاف الإسلام المتواصلة على المنابر والصحف والفضائيات وأشرطة الفيديو القادمة من تورا بورا.

لقد انتهينا على يد نجاد والظواهري إلى أمة تستجدي المدد من الأموات، وتعيش على الغيبيات، وتلثم الشواهد والقبور، وتربط كل الظواهر بأسباب ميتافيزيقية يغذيها فينا عدد لا ينتهي من السراديب والكهوف والأضرحة والأموات والهزائم والإحباطات.

لقد استحال الفكر على يد هذين «المفكرين» إلى مزيج من الخرافة والتعصب والانشداد للماضي والحنين إلى الغيبيات والعيش على الأوهام. تحول الفكر إلى رصاص طائش وأحزمة ناسفة وسيارات مفخخة وفيالق حراس، تحول الفكر إلى قمع للجماهير ومصادرة للحريات وتقديس للأشخاص.

تحول الدين للأسف إلى وسيلة للدعايات السياسية، تحول إلى ستار يخفي سوءة التعصب القومي والتخلف الاجتماعي والتشوه الفكري والأخلاقي والتقوقع الطائفي والقبلي والسلالي.

تحول الإسلام بفعل اجتهادات هذين «المجتهدين» إلى حرب بين أبي حنيفة النعمان وجعفر الصادق في شوارع بغداد، ومعركة شرسة بين الشافعي وزيد في جبال صعدة دع عنك بيروت والمنامة والكويت وغيرها من المدن التي انقسمنا فيها إلى فسطاطين.

من ينقذنا – إذن - من أحمدي نجاد وأيمن الظواهري؟

من يحرر الإسلام من الأسر؟

من يخرج الإسلام من السراديب والكهوف؟

* كاتب يمني مقيم في بريطانيا


في الأربعاء 30 ديسمبر-كانون الأول 2009 07:56:59 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=6262