الشعب ( الرهينة ) وظاهرة استكهولم
طارق عثمان
طارق عثمان

سطا مجموعة من اللصوص على بنك في عاصمة السويد ( ستكهولم ) في العام 1973 وقاموا بتحويل مجموعة من موظفي البنك كرهائن لمدة ستة أيام ، وخلال تلك الفترة ارتبط الرهائن عاطفياً مع الجناة، بل إنهم قاموا بالدفاع عنهم بعد إطلاق سراحهم ....

أصبحت هذه الحالة تعرف فيما بعد بـ ( متلازمة ستوكهولم ) وهي الحالة التي يتعاطف الإنسان مع عدوه أو مع من أساء إليه بأي شكل من أشكال الإساءة ، بل قد يظهر له الولاء والإنجذاب القلبي والعاطفي !!!

ويعزو علماء النفسي ذلك إلى أن الضحية يتخذ موقفا دفاعيا وبشكل لا إرادي فيخلق حالة من الإطمئنان للجاني ويوهم نفسه أنه لن يضره ، ولن يتسبب في إيذائه ويضخم كل حركة تنم عن حنان من قبل الجاني ويصورها على أنها شىء كبير، وتشير إلى وجود علاقة خاصة تربطهما ، فتبدأ تتبلور هذه المشاعر لتصبح حالة تعاطف ، وولاء ، وانجذاب قد تصل في مرحلة ما إلى الدفاع عن الجاني ، ومحاولة إنقاذه وحمايته ، كما أن من أسبابها خوف الضحية من أن يتعرض للأذى أثناء عملية إنقاذه فيدفعه ذلك أحيانا إلى مقاومة عملية الإنقاذ أو تنبيه الخاطف لها وكشفها ..

هذه هي الحالة النفسية أو (متلازمة استكوهولم) هي بالضبط ما يعتري الشعب اليمني الذي أصبح رهينة بأيدي مجموعة اقتحمت سدة الحكم وسيطرت على البلد وتحكمت في مواقع النفوذ فيه وسطت على مقاليد حكمه .. فحولته إلى رهينة تبتز به المجتمع الدولي ودول الجوار ... فتحول هؤلاء الرهائن الذين تتحكم هذه المجموعة بمصائرهم إلى جموع من المتعاطفين، والمدافعين ، والمحبين ، والمريدين ، يفسرون كل كلمة لطف على أنها شىء كبير وعظيم ، وكل بطانية تجود بها أيدي الخاطفين على أنها قمة الحنان ، وكل رغيف خبز متبوعا بابتسامة على أنه ذروة الإنسانية والسمو وكل جرعة ماء على إنها مشاعر دفاقة ...

وأصبح أبناء هذه البلد ( البنك ) يُنفق عليهم مما يتم السطو عليه من خزائنهم ومن القروض والمنح والمساعدات التي تأتي لهم فيهولون كل هذا ويعدونها منجزات إستثنائية ، فالمدرسة ، والمستوصف ، وبئر المياه ، و مشاريع الصرف الصحي ، يرونها كما لو أنها قد نقلته إلى عالم آخر من الرفاهية ، والتقدم ، بفضل هؤلاء الذين يصوبون بنادقهم على رؤوسنا بحنان وعطف و حب ...

وهكذا يستمر هذا الشعب الرهينة يدافع عن خاطفيه ، ويحميهم ، ويهتف باسمهم ، ويسرب كل خطة قد تؤدي إلى الإيقاع بهم ، مدفوعا بهذه العاطفة الدفاعية التي خلقتها الأوهام ، والرغبة في الإحساس بالأمان ، أو مدفوعا بالخوف من عواقب محاولة إنقاذه من أيدي خاطفيه ...

فهم يشعرون أن هذه الزمرة تمتلك السلاح والمعسكرات وتحيط عواصم المحافظات بالقوات التي تدين لها بالولاء والطاعة وتنفذ أوامرها وتوجيهاتها ، وهي قادرة على الإيذاء وإلحاق الضرر بهم جميعا أو أفرادا ولا تتردد في ترويعهم في اي وقت وإشعارهم انها قادرة على أفغنة وصوملة البلد في حال تم التفكير بإزاحتها وتخليص الشعب

( الرهينة ) من قبضتها ..

حالة الإستلاب العامة ترى تجلياتها في مسيرات التأييد والهتافات بالروح بالدم ، وفي مجالس النقاش والحوار ، وفي طوابير المقترعين أمام صناديق الإنتخاب التي تنتظر دورها لساعات لتقول: نعم للخاطفين ، ولا لعمليات الإنقاذ التي إما ستزيح من أحببنا أو ستتسبب في إيذائنا ...

لقد أصبح هذا الشعب الرهينة يخاف على الخاطفين أكثر من خوفه على نفسه ، ومستقبله ، وحياته،

فترى أحدهم يبذل جهده ، وماله، ووقته للدفاع ، عنهم في حين أنه قد لا يبذل شىء في سبيل تأمين مستقبل أفضل لنفسه وللأجيال القادمة من بعده ..

أصبح الخوف من سقوط الجناة هاجساً يؤرقنا ، يقض مضاجعنا ، يأتينا كوابيساً نصحو بعدها مفزوعين نستعيذ بالله من الشيطان ونقول اللهم اجعله خيرا وندعو الله أن يحفظ الله الخاطفين ويمد في أعمارهم ويفشل خطط أعدائهم ...

شفاك الله مما أنت فيه يا شعبي المسكين ، المأخوذ بابتسامات ، المسحور بتمتمات ، المأسور بكلمات ، المفتون بالجناة .. شفاك الله يا شعبي الرهينة من ظاهرة استكهولم التي جعلتك ضحية تحب الخاطفين ، وترفض الخلاص ..


في الجمعة 05 فبراير-شباط 2010 05:17:23 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=6462