قساوسة "الولاء الوطني" والبحث عن تبرير للفشل
د/محمد القاضي
د/محمد القاضي

أخيرا استيقظ النائمون في وحل الفساد لعقود خلت، ليكتشفوا أن سبب ما نحن فيه من أزمات مركبة هي نقص الوازع الوطني ، وأننا لم نرضع حليب الوطنية حولين كاملين، وان المناهج التي يتتلمذ عليها الطلاب من جيل الوحدة هي مناهج لم تكن مشبعة بقيم الوطنية وحب الوطن ولذا فان جيل هذه الأيام هو جيل نزق ويرجع نزقة إلى نقص جرعات الولاء الوطني والوطنية التي تلقونها من كتب تكرس التخلف والخمول الفكري.

لا يختلف أصحابنا النائمون في الوهم عن غيرهم من بعض الفقهاء الذين يعزون سبب تخلف المسلمين ومصائبهم في الوقت الراهن إلى تركهم للدين، بدلا من البحث عن الأسباب الحقيقية والمنطقية لهذا الانهيار الذي نعيشه.

بدلا من أن تستشعر الحكومة والنظام خطورة ما يعتمل من مشكلات وتحديات جذرية ومناقشة الأسباب ووضع الحلول لها ،وأولها كفران البعض بالوحدة بعد أن كان أبائهم يتعبدون في محرابها ويصلون لتحقيقها ليل نهار، نجد ان منظريها وهم كثر هذه الأيام يرون ان الخلاص من هذه المشاكل يتمثل في رفع الأعلام الوطنية في كل القمم والجبال وعلى السيارات والشوارع باعتبارها الحل الناجع.

هيئات تشكلت لتعميق الولاء الوطني وهيئات أخرى أنشأت للتوعية بالوطن وبحب الوطن ، وكأن الوطن والولاء له ينتهي برفع علم وطني وكتابة بيتين من قصيدة النشيد الوطني مع ان لذي لحنة لم يحصل على منحة علاجية ووصلت مناشداته أصقاع المعمورة ولولاء وفاء صديقة عبد القوي الشيباني لما تمكن عازف وشحرور الولاء الوطني الأول أيوب طارش أطال- الله عمره- من الحصول على العلاج في ألمانيا. الحال نفسه مع الشاعر عبدالله عبد الوهاب نعمان"الفضول" الذي تغنى بكل ذرة تراب في هذا الوطن ، والنتيجة لم تسمى مؤسسة او شارع باسم الفضول فيما هذا التكريم الرمزي يمنح لأشخاص لم يقدموا أي شيء يذكر لليمنكيف يمكنك أن تقنع شابا بان عليه أن يحب الوطن ويكون ولائه له ،بينما هو لا يحصل على حقه في منحة دراسية رغم أحقيته لها، فيما زميل له يدرس في أرقى الجامعات الأمريكية أو الأوروبية رغم عدم أهليته ، لكن مؤهلة هو انه ابن أو قريب احد المسئولين أو الشيوخ أو التجار ....الخ؟ كيف نطلب من أبناء الجعاشن ان يحبوا هذا الوطن الذي عجز وحكومته عن حمايتهم من بطش الإقطاع ووحشيته؟ كيف يمكن أن اقنع شباب الضالع أو أبين أو لحج بقدسية الوحدة وخيرها بينما هم لا يرون ذلك إلا في السيارات الفارهة للمسؤليين وتجار القبيلة والتي تزكم أنوفهم بالأتربة ذهابا وإيابا أو من خلال المصفحات التي تواجه بطونهم الجائعة بالنار؟ كيف لي ان اقنع مواطني الحديدة بأنهم جزء من اليمن الكبير بينما تترك أراضي المواطنين المساكين للنهب والسلب من قبل الوزراء والنواب وشيوخ الفيد؟ كيف يمكن لمدرس حتى وان تشبعت المناهج بالحديث عن الولاء الوطني ، وحتى أن تحولت كلها إلى مناهج تدرس لا شيء سوى الولاء الوطني أن يقنع تلاميذه أن كل شيء على ما يرام وان هناك عدل وحق ومساواة وموطنة متساوية وديمقراطية، فيما هو يخرج ليجد الواقع غير ذلك وان هذه شعارات توجد في الكتب فقط، فيما الواقع تتهاوى فيه قيم الدولة أمام فساد القوة وأزماتها التي وصلت إلى درجة لا يستطيع حتى صانعوها التحكم بها. 

يجب أن يدرك هؤلاء المنظرون أن الوطن يجب أن يقترن بخدمات وحقوق يحصل عليها الناس دون تمييز، وان الوطن يعني تعليم، وصحة، وماء وكهرباء، ورغيف خبز، وامن ، ومأوى وغيرها من الخدمات الأساسية التي يفتقدها الملايين من الناس.

يجب أن يدرك منظرو وقساوسة "الولاء الوطني" أنه في عصر الانترنت والعولمة تغيرت مفاهيم الناس وحاجياتهم وخاصة جيل الشباب ، ولذا لم يعد كافيا ولا مجديا محاولة مخادعتهم بشعارات الوطنية وبحب الوطن فيما بطونهم خاوية ، ويرون يوميا أن فرص الأمل في مستقبل أفضل تتلاشى بفعل فساد النخبة التي لم تعد إلى الواقع وتعترف بجرمها، بل تكابر وتبحث في الوهم عن شماعة تعلق عليها أخطاء إدارتها ، وتخلص إلى الوصفة السحرية "تعميق الولاء الوطني" أو شعار "الوحدة أو الموت" هو الحل على غرار شعار "الإسلام" هو الحل بهدف الهروب من مواجهة الحقيقة والاعتراف بالفشل.

انتم بهذا يا سادة تريدون أن تصلوا إلى نتيجة وهي أن أي شخص ينتقد الوضع الراهن ويطالب بتغييره هو إنسان حاقد لم يرضع حليب "الوطنية" على يدكم، وكأن حبكم وحب فسادكم مقرون بحب الوطن والولاء له. شيء يدعو للسخرية والرثاء إلى ما وصل إليه حال هذه النخبة من ضحالة في التفكير. 

الوطن يا إخوان مصلحة يشترك فيها الناس جميعا، وإلا ما هو القاسم المشترك الذي يجعل الأفريقي والأسيوي والأمريكي والمسلم والمسيحي واليهودي والقادمون من جنسيات مختلفة أن يقولوا –على سبيل المثال- بعد حصولهم على الجنسية الأمريكية "أنا أمريكي" دون الالتفات إلى خلفيتهم الثقافية أو الدنية أو العرقية. شيء واحد جمعهم هو الشعور بالمواطنة الحقيقية وأنهم يحصلون على الخدمات المكفولة لهم بالقانون بالتساوي وبدون انتقاص، وانه بإمكان أي شخص شعر بالظلم أن يصرخ وبصوت عالي ضد أي انتقاص لهذه الحقوق، ولن يتم مواجهته بالرصاص الحي وكتم أنفاسه للأبد. فيما هنا الكثير تطاردهم لعنة الجغرافيا كل يوم. فبدلا من أن يسألك البعض عن اسمك وما هو عملك، يكون السؤال عن الجغرافيا " من أين أنت"، ليبدأ بعدها التصنيف والفرز العفن ومحاكمتك بتهمة الجغرافيا.

"هنجر" الفرقة الأولى مدرع

كيف لشخص أن يدعوا للولاء الوطني وحب الوطن ويرفع علم كبير يمكن أن يكسوا قماشه بضع أطفال الوطن العرايا، فيما نجد ممارساته عكس ذلك؟. يشعر المرء بحزن عميق وهو يرى -عندما يمر من الشارع الجديد الذي يتم رصفه منذ أشهر بجانب سور الفرقة الأولى مدرع - "هنجر" الفرقة البارز عن سورها وهو يفترش الشارع المؤدي إلى المبنى الجديد لوزارة الإعلام .وزارة الأشغال والطرق استسلمت للواقع بعدما قيل أن الفرقة طلبت مبلغ خيالي كتعويض مقابل إزالة "الهنجر" الذي أعاق مصلحة عامة وكشف أن سيادة الفرقة وسلطتها هي أقوى من سلطة الدولة التي لا اعرف فيما إذا كانت الفرقة تنتمي لها.

 ليست الفرقة فقط بل في الشارع نفسه، نجد أيضا "عشة" صغيرة عجزت الأشغال عن إزالتها وتجاوزتها، وكأن هذه "العشة" تقع في حدود دولة مجاورة لليمن. هذا السلوك نجده يتكرر في أكثر من حي وشارع في العاصمة صنعاء.

تطبيق القانون على الجميع بدون استثناء ، واحترام هيبة وسيادة الدولة، وتجسيد قيم المواطنة المتساوية هو ما سيعمق قيم الحب والولاء لليمن الموجود فطريا في قلب كل إنسان، ويحمي البلاد من التفكك والانزلاق نحو المجهول، وليس الأعلام التي ترفع هنا وهناك و ويذبح على بعد أمتار منها الوطن والمواطن والمصلحة العامة. ولذا عليكم رفع أعلام الحق والمواطنة المتساوية في ضمائركم وسلوككم، وانتصروا للمظلومين والمضطهدين، بدلا من الاستخفاف بعقول الناس والبحث في السراب عن مبررات فشلكم.

أقول لقساوسة الولاء الوطني والوطنية انتم أولى بتلقي دروس في الولاء الوطني وحب الوطن، لأنة لا فساد وظلم مع حب الوطن، فالناس البسطاء الذين يكدحون يوميا هم أهم درس يجب أن تتعلموه في الوطنية وحب الوطن الذي يرونه يوميا من عرقهم الطاهر المعطر بألم المعاناة التي يعيشون معها واقعهم المر.

mhalqadhi@hotmail.com 


في الإثنين 12 إبريل-نيسان 2010 04:14:43 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=6870