الدكتاتورية العربية...وما تجره عليها أولاً (نموذج صدام )
كاتب/مهدي الهجر
كاتب/مهدي الهجر

" مأرب برس - خاص "

رغم نفرتي الشديدة مع كل من كان مستبد بحجمه ومكانه ،أكان فردا وفي محيطه الأسري أو قيادة وفي محيطها الإداري والتكويني أو الاجتماعي ،ورغم قناعتي المطلقة بان الفرعون مهما كان وزنه يستحق أقصى العقوبات ،وانه لا اعتبار لذرة من عطف أو شفقة مع من افسد الحياة وتسبب في تدمير كل قائم وإحراق كل نابت ،وإفساد كل ينبوع فكري وروحي ومؤشر همة وعزيمة ،..إلا أن قلبي يعتصرني حزنا وشفقة على الحال الذي ينتهي به كل دكتاتور عربي وما يجره معه من ويل لأسرته وذرا ريه من بعده ، ولعلي أحس بان الحزن قد بلغ بي مبلغه وأنا أرى الحال الشخصي لصدام وأسرته وذرا ريه وجميع أقاربه . .

لست آسى على دكتاتورية تلك نهايتها إنما شفقة على حال الأسرة والذراري وابناء العشيرة ومن الميراث الذي يلحقهم كنموذج يكرر نفسه عبر التاريخ بجدلية النتائج تبعا لمقدماتها ،وحزنا آخر وبطعم ولون مختلف على ما أورثنا الدكتا تور من واقع مخزي وحقير أوقعنا فيه ،بتنا فيه إلى حيرة من الأمر يتساءل حوله بعضنا بقلق وتردد أنقبل بدكتاتوريات قتلت كل ما فينا من طاقات ومنابت ،وأكلت خيراتنا وأكبادنا وجعلت منا على ما أراد المستبد ،شيعا وطوائف ،يستضعف هذه ويقتل تلك ،لا يرينا إلا ما نرى ولا يهدينا إلا سبيل الرشاد حتى سقطت منا الأرض والعرض ،أم نقبل بمحرر غازي يأتي علينا وعليها فلا يبقي ولا يذر ..

كواحدة من دكتاتوريات المنطقة كان نظام صدام ،لا يقل عنها بشاعة ولا يفوقها فرعنة ،بل لعل لها ايجابيات تميزها عن نظائرها تحسب لها على أية حال في إطار المقارنة بين شر الشرين أو أخبث الاخبثين ،رغم أن هذه الايجابيات لم تنتصب أو تبقى لها روح بفعل النفس المستبد الطاغي والذي لا تأتي معه عافية ما ،لكن من باب الإنصاف والميزان العدل يصح القول أن لصدام رجولة ونخوة استصحبها من جده العربي الحاكم رغم ما بها من جور أو صلف إلا انه ما باع يوما عرضه لهواة جمع الأثدية ، هو قبل الأصنام مثلهم لكنه لم يقبل أحذية ،رغم انه تبت يداه إلا انه رغب أن يموت دون ضفيرة حرة ماجدة ..

تبقى الدكتاتورية العربية هي وجعنا في أمسنا ويومنا سواء أجاءت إلينا بلباس الدين ،أو قشيب الديمقراطية ،أو تجلببت بالوطنية والوطن فإنها عدو امتنا الأول وعدو نفسها الأول ،هي من تخنق نفسها في نهاية المطاف مهما حاولت أن تضمن لنفسها ومن بعدها من الذراري بكل أسباب ما تعتقده للخلود والبقاء من تعميق صيحة العصبية إلى قوة الساعد والجند وامتلاك الخزينة والاقتصاد وصولا إلى احتكار وخصخصة كل شيء ،إلا أنها لا تزيد حسب شواهد التاريخ واليوم عن التجييش عليها والتجهيز والإعداد لحتمية ومصير اسود هي من اعد له وجهز .

الدكتاتور هو من بذر لأبنائه في قلوب شعبه الضغينة والبغضاء والكراهية والحقد حتى إذا جاء ذلك اليوم واكتمل المد وهبت العواصف والرعود لم يجد الأبناء والأحفاد والأعمام والأخوال والأصهار والأنساب لهم من عاصم إلا أن يكونوا مزقا وأشلاء ،أو في اقلها شتاتا في الأمصار ..

حتى إذا هدأت العاصفة ورق الحال وسكن المزاج العام سمعت شاد بين وادي الغربة يرعى إبله يحدوها بنشيده فيشدك إليه ويبكيك وهو يغرد بأح وآه وموال باكي (لكل يوم إذا ما تم نقصان ...فلا يغر بطيب العيش إنسان ..

هي الأيام كما شاهدتها دول ....من سره زمن ساءته أزمان..

أو يغرد ..هذا ما جناه علي أبي..

لم يشفع للأمويين ما قاموا به من دور في التمكين للإسلام بالفتوحات، والتوسع العمراني والتنموي في الداخل ،إذ أن حبسهم للأمر عليهم دون سواهم وبالاتكاء على شوكتهم الغالبة قد دفع بالآخرين من بني عمومتهم إلى بناء حركة سرية مناهضة بسير حثيث ومبدع تقوم هي الأخرى على قاعدة العصبية والغلبة ،فلما أن تهيآ الأمر لهذه الأخيرة واشتد ساعدها وعودها وبدا التآكل والارتعاش لتلك يحدث في أوصالها أثره ،هبت هذه على تلك فلم تبقي منها ولم تذر ..

هب العباسيون على بني عمومتهم من الأمويين قتلا وسحلا وتصفية لم يسلم منها الصغار ،حتى القبور نبشوها واخرجوا من فيها من بني أمية ،بل بلغ بهم الأمر كما قيل إلى أنهم فرشوا موائد الطعام على جثث وهام بني أمية والدماء ما زالت تنزف لم يردعهم عن ذلك دين أو قرابة أو تتحرك بقية من مروءة ،إنما الحقد والكراهية من حركا وغذيا، وهما من بذور من احتكرها إليه دون غيره وأراد الحياة سيدا ومسود..

رغم أن في قادة الثورة العباسية و في جيوشهم من يحفظون القرآن والسنة والمتون وبديع الفوائد وعلوم وآداب العرب والعجم ،لو سمعت بعضها من المنصور أو بعض غلمانه فضلا عن وزرائه لوليت على نفسك تقول هنا منتهى الأدب والأرب وعلوم الدنيا والدين وأصول التزكية والرقائق ..

كانوا جميعا رضي الله عنهم خير من خير وأهلا للتقوى والفضل والخير بمعانيه ،لكنه الوجه المستبد إذا حضر أزهق الدنيا وافسد الدين ..

السؤال هنا أين ما حسبوه من أسباب للبقاء والحماية ؟ومن المسئول الأول عن ما حصل لبني أمية في أواخر عهدهم ؟

المستبد العربي في تاريخه مهما طال مجده وبلغ صولجانه هو من ينتهي على نفسه وذرا ريه بالفجيعة والتشرد مهما تيقظ وحصن قلاعه فهي سنة الله لا بد أن تعمل بصورة أو أخرى ..

الرئيس الموريتاني ولد سيدي ..بنى له إمبراطورية مالية تعززه ،وجهاز إداري يقوم على سواعد الخلص من الأقارب والأنصار ،وجيشا صفاه إلا من بني أمه وأبيه في قياداته المفصلية ،ثم عاقد الأمريكان وبني صهيون على صك ولاية منه ورعاية وأمان منهم ،ثم بعد ذلك استوي على عرشه كأنما لا قبله ولا بعده ولا شبيها له فيما أعد وخطط ،فلما امتلأ الكيس وآذن الحبل من شدة ما عليه على الانقطاع جاء أمر ربك فهب عليه من كان يحرسه ويتبعوه كما كان كلبه ،جاءه الأمر من حيث لم يحتسب ...فخرج تائها في الأمصار ينشد القوم القرابة القرابة ..ما يتمناه أن تلحقه في منفاه أسرته ،وان تسعه كرم السياسة الغربية بحق لجوء وتدبير لقمة عيش ..

في مصر تعاظم الملك حتى حبس المحروسة عليه وعلى بني عشيرته من الباشوات فملكوا كل ما حولهم من حجر وبشر، العزبة بما بها والفدان وصاحبه ،فلما آذن ربك با لرحيل لم تبق لهم من باقية ،خرج الملك العاشق على سفينة بحرية مجرد من كل شيء إلا من زوجته وطفلها ،ثم لتأمم كل الممتلكات لينتهي كل باشا إلى متشرد في الشوارع هنا أو هناك ..

وجاء عبد الناصر ومعه من حوله من الملا فكأنما قامت معه مصر،فجعل يرعد ويبرق ويهدد بالخسف والغرق واحمد سعيد من بعده يمده إلى الشارع المصري والعربي بالمعجزات والمواقف العظام التي تسحر الألباب ..فلما أن وصل الأمر إلى منتهاه وبلغ المستبد نقطته الأخيرة ،كان شيئا لم يكن وإذا بأولاده متشردون في الآفاق يبحثون عن حق اللجوء وفرصة عمل أكرمهم حظا من لقي معروفا من كريم جرته إليه صحبة لأبيه..

و من بعده جاء السادات فصال وجال وتبختر وشخر ونخر ،ثم في الاخير شهق ..فابن أخيه اليوم في السجون لم تقيه حصانته وزوجته أشبه بلاجئة ،لايذكر السادات اليوم إلا في لقاء عابر لفضائية تبحث عن المثير الاجتماعي والأسرار الشخصية تكررها الست جيهان وتلعكها باستمرار ..

وجاء المبارك ليبدو وكأنه داهية الأوائل والأواخر يمسك بجميع المماسك خشية أن لا يأتي عليه وعلى أسرته ما أتى على من سبقوه .ولنا مع القادم من الأيام قصة ومعتبر ..

وفي اليمن السعيدة جاء الإمام وذهب الإمام بما ملك ،وتشرد بنيه ومن حوله شذر مذر أقصى ما يتمناه من بقي من الأحفاد والذراري أن يجد احدهم مساحة أقدام في مقبرة يمنية يوارى فيها التراب ..

وجاء السلال فكأنما لم يكن مثله في حاله احد فشرد وتشرد ومعه بنيه ،وانكسرت شوكته وعشيرته التي تؤيه .. ثم الارياني والحمدي والغشمي والحال في المقدمة والنتائج هو الحال، الأهل والأقارب من يدفعون فاتورة الحساب ..

إلى إن جاءت دولة الصالح بثوب ديمقراطي قشيب وبممكنات لم يسبق إليها من أضرابه احد ،....اترك بقية الحديث عنها للتاريخ ولقادم الأيام ..

الحاكم العربي اليوم يعتقد بنفسه فطانة لم يبلغها صدام الذي جعل بغبائه رأسه برأس بوش ،فهذا قد تعلم من صدام لسان حاله بوش سيدي وسيد جدي الذي يريده يأخذه باليمين أو باليسار ،وحتى شمعون على العين والرأس ،ومن ثم فقد ضمن لنفسه أسباب البقاء وسد عليه كل أبواب الريبة والخطر ..

نسي المسكين أن الرياح لا تأتي من باب واحد

فالمستبد هو عدو نفسه الأول فهو من يجر عليها الويلات ،فقد تأتيه من حيث لا يعتقد

من شعبه من الخارج من الداخل ،من ابنه (كما قطر وعمان ) من عمه من أخيه ، من كل مرصد وسبيل ..

هي سنن إلهية تعمل لا يقدرها إلا أولي الألباب .


في السبت 11 نوفمبر-تشرين الثاني 2006 10:46:30 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=722