أسطورة القاعدة في جنوب اليمن.. (من يقتل الجنود في الجنوب.؟)
عبد الرزاق الجمل
عبد الرزاق الجمل
هناك خياران وحيدان للحيلولة دون استهداف الجنود في الجنوب اليمني، الأول أن تُخلى محافظات (لحج ـ أبين ـ شبوة ـ الضالع) من كل ساكنيها، والثاني أن تُخلى هذه المحافظات من الجنود، والخياران غير واردين، لما لهما من دلالات مصيرية بالنسبة للنظام اليمني، لكن استمرار نزيف الجنود له دلالات مصيرية أيضا..
منذ بداية رمضان وحتى يومنا هذا، قُتل ما يزيد عن ثمانين جنديا في تلك المحافظات، وتم اغتيال أكثر من قائد أمني، وغالبا ما يتهم النظام تنظيم القاعدة بالوقوف وراء مثل هذه العمليات، وأحيانا يتهم الحراك القاعدي، أي أن التهمة للحراك تمر من بوابة القاعدة أيضا..
قد يرى النظام أن من مصلحته الحفاظ على سلمية الحراك ولو نظريا، لكن ما يجري على الأرض قد يقضي على كل المصالح، وقد يكون حشر القاعدة في الأحداث لغرض جلب الدعم الخارجي، لكن ما نخسره في الداخل سيكون أكبر..
المهم في الأمر أن هناك أكثر من علامة استفهام حول حضور القاعدة في تلك الأحداث، كون تلك العمليات تتناقض كثيرا مع تاريخ وأدبيات هذه الجماعة، فلم يعرف عنها استهداف الجنود ابتداء، في شمال الوطن أو في جنوبه..
إن لاستهداف الجنود دلالة لا علاقة لها بمشروع ولا بسلوكيات القاعدة على الإطلاق، حتى وإن صدرت بيانات عنها تتبنى بعض تلك العمليات، والذين يتحدثون عن تغيير في إستراتيجية القاعدة العسكرية، لا يدركون أن إستراتيجيتها تنطلق من مبادئ لا تتغير..
مشروع التحرير الجزئي
شبوة، أبين، لحج، الضالع.. شريط المحافظات هذا، يفصل الجنوب عن الشمال تماما، من محافظة مأرب شرقا إلى محافظة تعز جنوبا، وهو الشريط الذي دارت وتدور فيه تلك المعارك بين قوات الأمن ومسلحين مجهولين، والسيطرة عليه أو إسقاطه في حالة من الفوضى سيعني السيطرة على ما تبقى من الجنوب..
تسربت أخبار كثيرة عن مشروع "التحرير الجزئي" أي السيطرة على بعض المناطق في الجنوب، لاسيما في المحافظات التي أشرت إليها، ليجد الحراك أرضا خاصة يقف عليها، وبالعودة إلى ما يجري على أرض الواقع، سنجد أن هناك ترجمة حرفية لذلك المشروع..
من هنا يأتي الحديث عن استهداف الجنود بشكله الذي يـحدث مؤخرا في بعض المحافظات الجـنوبية، فمشروع كهذا يحتاج إلى ذاك النوع من الـعمل، لأن السلطة ليست أكثر من جنود ومرافق أمنية، وهي الجهات التي يتم استهدافها تماما..
يضاف إلى ما تقدم، التطابق الكلي بين ما يجري على الأرض وبين مضامين مفردات ومصطلحات قوى الحراك الجنوبي. إنهم يتحدثون عن قوات احتلال، وعن ضرورة تحرير تلك الأرض من تلك القوات، لكن لأن مطلب الانفصال لم يحظ بأية شرعية دولية، عكس ما حدث في السودان على سبيل المثال، فلن يكون لعنف قوى الحراك أية شرعية أيضا، حيث يستمد النضال شرعيته من شرعية القضية.. لهذا كان لا بد من حضور القاعدة كشماعة، حتى يحافظ الحراك، ظاهرا، على سلميته..
لا شك بأن تصريحات دائمة كهذه ستزعج الحراك : "أمريكا، بريطانيا، اليابان، الصين، بوركينافاسو.. الخ.. تعلن تأييدها لوحدة اليمن وأمنه واستقراره".. لأن مشروع الحراك الجنوبي، انفصال، والأمر الواقع الآن هو الوحدة..
يدرك الحراك تماما أن الخارج يتعامل مع ما هو أمر واقع حتى لو كان فاقدا للشرعية، ولهذا يريد أن يفرض نفسه كأمر واقع، ولن يتأتى له ذلك وهو مجرد شعارات وملصقات وتصريحـات تلفزيونية.. شرعية العمل تأتي من الداخل أولا، أو من ممارسة العمل نفسه والنجاح فيه، لا من الخارج.. هكذا يفكر الحراك..
وفرض سيطرته على تلك المحافظات أو إفقاد الحكومة اليمنية السيطرة عليها، سيجعل منه رقما صعبا.. وكما أسلفنا، فإن الحراك أكثر من يدرك شحة الخيارات لدى الحكومة اليمنية، فلا هي مستعدة لإخلاء المدن من السكان، ولا لإخلائها من الجنود، لكنه على استعداد لخلق خيارات جديدة .. على استعداد لمواصلة التصفية، فمن شأنها أن تخرج الجنود من تلك المناطق، وتحول دون قدوم آخرين..
الحراك القاعدي
إذا كانت لدى الحراك رغبة في تحرير الأرض كما يقول، فلن يسلم هذه الأرض على طبق من ذهب لتنظيم القاعدة، خصوصا وأن تواجد التنظيم، بحسب الاتهامات الرسمية وغيرها، ينحصر في المناطق التي يحضر فيها الحراك أكثر..
وتواجد القاعدة في أية بقعة على هذه الأرض، يعني أنها أصبحت مباحة للولايات المتحدة الأمريكية ولحلفائها في الحرب على الإرهاب ينزلون فيها ما يشاءون من خراب ودمار، وهي النتائج التي لا يريدها الحراك..
يبدو بأن لدى السلطة حساباتها الخاصة وهي تتحدث عن "الحراك القاعدي" إذن، فإضافة إلى رغبتها في جلب الدعم الخارجي باسم مكافحة الإرهاب، يمكنها أيضا أن تضرب قوى الحراك باسم مكافحة الإرهاب، لكنها حسابات خاطئة جدا، لأنها تلعب حيث لا يمكنها السيطرة على الوضع، وورقة الإرهاب لا يمكن أن تنجح في ظروف وأماكن كتلك، أي أنها تحقق للحراك الأهداف التي يريدها..
وعلى افتراض أن للقاعدة حضورها الباهت هناك، فمن البديهي جدا أن يستغل الحراك هذا الحضور ليفعل ما يريد بمأمن عن أية تهمة أو مساءلة.. وهو ما يحدث تماما.. على أن تواجد القاعدة في محافظة أبين لا يعني أنها وراء تلك العمليات..
نعم.. القاعدة تغتال المسئولين الأمنيين لأسباب يعرفها الجميع، لكن عملية اغتيال الجنود بتلك الطريقة يقف وراءها أناس هدفهم إخراج "المحتل" من الجنوب كما يقولون.. فعلى الرغم من أن أكثر من سبعين جنديا قُتلوا خلال شهر رمضان المبارك في أكثر من عشرين عملية إلا أن ما تبنته القاعدة من العمليات لم يتجاوز من سقط فيها الثلاثين، على أن هناك شكا كبيرا في تبني القاعدة لتلك عمليات، ولا وقت لدى القاعدة لنفي ما يُنسب إليها، بل ربما تصمت ليصب ذلك في إطار الدعاية الإعلامية لها، لكن هناك تاريخ ومبادئ ومعايير تميز بين مثل تلك العمليات..
قبل سنة من الآن، أطلق عناصر من تنظيم القاعدة سراح سبعة جنود وقعوا في الأسر، بعد مواجهات عنيـفة دارت بين الطرفيـن في منـطقة آل شبوان بمحافظة مـأرب، ولم يقوموا بتصفيتهم جـسديا، ولا باستخدامهم كورقة للضغط على الحكومة، رغم اشتراكهم في القتال ضدهم.. وفي إصدار صدى الملاحم التالي لهذه الواقعة، علقتْ القاعدة على إطلاق سراح الأسرى من الجنود : "إن معركتنا ليستْ مع العسكر.. وتاريخ المجاهدين يشهد أنهم لم يتعرضوا إلا لمن وقف في طريقهم".

في الأربعاء 15 سبتمبر-أيلول 2010 10:32:16 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=7897