أصدقاء اليمن .. إن فعلوها
العميد الركن / محمد جسار
العميد الركن / محمد جسار

كل منهم شخص الحالة اليمنية بدقة، وعلى اختلاف لغاتهم وأيدلوجياتهم وغاياتهم، أجمعوا على وصفة واحدة من أجل إعادة بث العافية في جسد الدولة اليمنية المتهالك الموشك على الانهيار بما في ذلك من آثار موجعة ستطال الجميع إن حدث.

الوصفة المجمع عليها تتضمن حزمة من الإصلاحات الجذرية الشاملة، تضمنتها التقارير الدولية، ونصائح المنظمات والدول، وحملتها الرسائل والموفدون، وتداولها (الأصدقاء) مع المسؤولين اليمنيين في الجلسات الثنائية والجماعية، الودية والساخنة.

بعد أيام يجتمع (أصدقاء اليمن) في نيويورك للبحث في نتائج أعمال مجموعتي (العدل وسيادة القانون) (الاقتصاد والحوكمة)، وكذا ما يتعلق بدعم العملية السياسية في اليمن.. (الأصدقاء) مازالوا يحرصون على أن (تحلق الرأس) بأنامل يمنية، طالما أدرك (المعنيون) (حتمية تلك الحلاقة) منذ وقت مبكر، فذلك أقل كلفة، وأقل عناء، ويبعد (الأصدقاء) عن مواطن الشبهات، بينما يتصادم هذا الحرص مع الواقع على الأرض حيث اللاعبون الرئيسيون (السلطة) مقيدو الإرادة، ليس لديهم أدنى رغبة في تغيير أدوات اللعبة التي اعتادوا عليها، رغم أنها غدت السبب المحوري في خسائرهم المتعاقبة قبل غيرهم.

مازالوا يعتقدون أن إدارة البلد بالأزمات، واللعب على التوازنات، وضرب الأطراف ببعضها، وشراء الذمم بالأموال العامة والوظيفة العامة، وكسب الوقت بالوعود السرابية، وتخدير الموجوعين بالملامسات السطحية... إلخ أدوات قادرة على التعامل مع معطيات الحاضر. يسوقهم إلى غياهب هذا الاعتقاد اعتداد واهم بقدرات أسطورية خارقة قادرة على كل شيء استناداً إلى نظرية (الرقص على رؤوس الثعابين).

حرص (الأصدقاء) على الإدارة الذاتية للأزمة اليمنية محل تقدير، لكنه لا يراعي عنصر الوقت على أهميته، فمنذ قمة مسقط2001 التي دعت اليمن لتأهيل نفسه كي يغدو عضواً في مجلس التعاون لدول الخليج العربية لم يشهد الواقع إلا تراجعات، ومنذ مؤتمر لندن للمانحين2006 وحتى اليوم لم تنجح الإدارة اليمنية حتى في استثمار المبالغ التي حشدت لدعم التنمية في اليمن. والأمثلة تطول.

مطلوب من (الأصدقاء) أن لا يعاقبوا شعباً بأكمله بسبب فشل سلطته في إدارة عملية تحول جادة، بحيث لا يترك اليمن يواجه مصيره، وبالطبع لا أعني هنا أن يتدخل الآخرون في الشأن اليمني، على الرغم من إدراكي بأن مصطلح (التدخل) أصبح فضفاضاً في ظل التشابك العلاقاتي بين القضايا والمصالح والدول، بل ما أعنيه هو أن لا يسمح (الأصدقاء) باستمرار إهدار الفرص والوقت، عبر التسويف واللجوء للمهدئات العقيمة التي لم تعد قادرة على إخفاء المرض الذي ينتشر في الجسد اليمني بسرعة غير مسبوقة.

مطلوب من (الأصدقاء) أن يصدقوا السلطة القول، ويدفعوا مساراتها نحو صدق الفعل، وجدية المعالجة للأزمة اليمنية التي لم يعد من مجال لإنكار أنها بنيوية، ومركزها هيكل الدولة، مطلوب أن يوظفوا كل القدرات والإمكانات لمساعدة الحاكمين على كسر حاجز الخوف تجاه التعامل مع الآليات الأكثر حداثة، وأن يقتلعوا من أعماقهم أوهام أن هذه الآليات تهدد وجودهم وتجتث مصالحهم.

مطلوب من (الأصدقاء) أن يقولوا لا لدورات عنف جديدة، لا لجولات جديدة من حروب صعدة، وأي (صعدات) أخرى مازالت تتخلق في رحم الأزمة المركبة.. لا لتحول (الحلم) الوحدوي إلى (كابوس) يجثم على صدر الحاضر والمستقبل في اليمن وجواره الإقليمي.. لا لمزيد من الانهيار الاقتصادي، وانهيار القيم، وانهيار المؤسسات والخدمات، وانفلات الأمن.

مطلوب أن يقولوا لا لتعملق مخالب التطرف والعنف والجوع والفساد التي تجاوز نزيفها حدود الخارطة اليمنية.

سيكونوا أصدقاء اليمن إن صدقوه وفعلوها، فجنبوه الويلات، وجنبوا أنفسهم الفاتورة الأضخم.

mjassar@gmail.com

   
في الثلاثاء 21 سبتمبر-أيلول 2010 10:45:12 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=7950