مؤتمرات المانحين (سايكس بيكو) جديدة في المنطقة
حسن الحاشدي
حسن الحاشدي
ماذا وراء مؤتمرات المانحين-أصدقاء اليمن!!؟

اهتم الغرب بشكل غير مسبوق وملفت لأنظار المراقبين باليمن ، بعد محاولة النيجيري عمر فاروق تفجير طائرة )ديترويت ( برغم أن اليمن كان قبل ذلك يطرح أموراً كثيرة تتعلق بقضايا الإرهاب والأمن والتنمية ، ويصرخ في المحافل الإقليمية والدولية من ظاهرة القرصنة والعبث بأمن المنطقة ، سواء بنشاطات القرصنة أو الإرهاب أو خلق بؤر توتر مدعومة من دول إقليمية في المنطقة مثل: حرب صعدة .

لكن تحذيرات اليمن كانت لا تلقى الاهتمام الدولي . الملفت لنظر المراقبين أن الاهتمام الغربي باليمن رافقه حملات إعلامية شرسة بدت معها الأمور قبيل مؤتمر لندن ، وكأنها منبع الإرهاب والقلاقل ، ثم جاء مؤتمر لندن وكأنه بمثابة طاولة لمحاسبة اليمن أو محاكمتها ، وهناك من تحدث بأن الغرب سيطلق تحذيراته الأخيرة ، وبعدها سيتم التدخل العسكري ، ولكن ما حدث كان عكس ذلك ، لقد جاء الغرب إلى لندن على عجل ، وخلال ساعات من النقاش مع الحكومة اليمنية خرج ممثلو الغرب من وزراء الخارجية بتصريحات داعمة لليمن ووحدته وأمنه واستقراره .

فماذا وراء مؤتمرات المانحين من لندن إلى الرياض وأبو ظبي ونيويورك وما سيتبع من مؤتمرات في برلين والرياض ولندن مرة أخرى؟ ولماذا تغيرت أجندة الغرب خلال مؤتمر لندن عما كان معلناً عنه قبل المؤتمر؟

مؤتمرات المانحين-أصدقاء اليمن!!؟- .. الاسم الناعم لمخالب الغرب :

الاسم الناعم مؤتمرات المانحين ثم أصدقاء اليمن!!؟ ، لكن ما تطرحه الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون في هذه المؤتمرات ، من لندن إلى الرياض وأبو ظبي ونيويورك ، عبارة عن مطالب من اليمن بمكافحة الإرهاب ، وحوّل الغرب وحوّلت الأولوية اليمنية إلى مكافحة الإرهاب والقاعدة ، ويعلن الغربيون أنهم سيقدمون مساعداتهم لليمن من أجل مكافحة الإرهاب ، ولا يعيرون القضايا الأخرى ، مثل : حرب صعدة ، والتدخل الإيراني واضطرابات الجنوب أيَّ اهتمام ، ويرون بالحرف الواحد أن حرب صعدة واضطرابات الجنوب شأن داخلي ، حتى أنهم رفضوا إدراج الحوثيين في قائمة الإرهاب.

وفسر المحللون الاقتصاديون بأن وراء الموقف الغربي في مؤتمري لندن والرياض حول اليمن أموراً غير معلنة ، وأهمها أن الغرب يريد أن يحافظ على مصالحه في المنطقة ، ويدللون على ذلك بسيطرة الجانب الأمني على أغلب نقاشات المؤتمرات ، إلى جانب الغموض الذي يلف المباحثات والنقاشات التي تجرى في هذه المؤتمرات .

ويعترف خبراء يمنيون أن جزءاً من المصالح الدولية التي تستهدف اليمن هي مصالح أمنية ، ويؤكدون أن المانحين ، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون غيّروا في أولوياتهم فيما يخص اليمن ، حيث تنازل الأمريكان عن الإصلاحات السياسية ، وركزوا على الجوانب الأمنية ، فيما التزم البريطانيون موقف دول الخليج والمحدد في فرض الدولة اليمنية لهيبتها دون أخذ أي اعتبار للقضايا الأخرى .

ولسان حال الغرب في مؤتمرات المانحين يقول إما أن تحمي مصالحنا الدولة اليمنية وإلا سنتدخل بأنفسنا . فهذا وزير الدولة البريطاني خلال زيارته لليمن ، عقب اجتماع لندن للمانحين يقول بوضوح : «اليمن لديه فرصة ذهبية إذا ما أحسن استغلالها وقام بما عليه من الالتزامات ، وإلا لا نستطيع معرفة ما سيقع» . وعلينا أن نتفحص عبارة الوزير البريطاني كثيراً ، ونقرأ ما أراد أن يقوله وهو واضح : إما أن تحمي مصالحنا يا دولة اليمن ، أو سنتدخل بأنفسنا.. أليس كذلك ؟

ودائماً نقرأ تصريحات ممثلي الغرب قبل وعقب انعقاد أي مؤتمر خاص باليمن )لندن- الرياض- أبو ظبي -نيويورك) فنجدها تضخم نشاط القاعدة في اليمن ، وتتحدث عن مخاطر ذلك على دول جوار اليمن ، وخاصة دول الخليج ، وتطالب دول الخليج بتقديم الدعم والعون لليمن ، وتتحدث عن خطورة وصول اليمن إلى الدولة الفاشلة على خطوط الملاحة الدولية وتصدير النفط الخليجي إلى العالم .

ويهدف الغربيون من وراء ذلك تكوين حضور إقليمي ودولي لليمن عبر مشكلاته وأزماته لخطوة أولى لأقلمة القضايا والأزمات اليمنية المحلية ، ومن ثم تدويلها حتى تصبح إحدى أدوات الصراعات الإقليمية والدولية ؛ خدمة لمصالحه في المنطقة .

مؤتمرات المانحين- أصدقاء اليمن!!؟ ..- خطوة أولى في الشأن اليمنى

ويمكن القول : إن المسكوت عنه في دوافع مؤتمرات المانحين حول اليمن التي عقدت في لندن والرياض وأبو ظبي ونيويورك ، وما سيأتي بعدها من مؤتمرات في نيويورك وبرلين ولندن مرة أخرى والرياض مرة أخرى ، لا تتوقف عند السعي إلى محاصرة خطر تنظيم )القاعدة( والتركيز على الجانب الأمني فقط كما يقول الغرب ، وإنما بهدف تكبيل القرار والسعي لإحداث جروح غائرة في السيادة اليمنية وانتهاك حرمة أراضيها . وأن هذه المؤتمرات هي خطوات لهدف أساسي يسعى إليه الغرب ، المرحلة الأولى منه هي الحصول على مشروعية للتدخل في قضايا اليمن.

وقد كان ذلك واضحاً قبيل انعقاد مؤتمر لندن ، حيث كان المؤتمر منذ التحضير له ذا هاجس أمني ونزعة تدخل عسكرية ، وعندما شاهد الغرب توافق الموقفين الرسمي والشعبي في إعلان الرفض لأي تدخل أجنبي أو عسكري في اليمن ، جرى إخراج المؤتمر بشكل آخر ، بدا وكأنه لصالح اليمن ، فكانت التصريحات المؤيدة والداعمة ، وتم التحول إلى أقلمة المشكلات والأزمات اليمنية قبل تدويلها ، وقيل يومها : إن للمملكة العربية السعودية الدور الأكبر في تهدئة هواجس الغرب والتحذير من مغبة أي تدخل عسكري أو أمني كبير في اليمن ، وطالبت من الغرب إعطاء اليمن فرصة أخيرة لترتيب أرواقه الأمنية والاقتصادية والسياسية . وهذا الموقف السعودي هو وراء التشدد السعودي فيما يتعلق بوقوفها مع اليمن اقتصادياً وسياسياً ، ودعمها اللامحدود لليمن ، بدليل أنها الدولة الوحيدة التي استكملت تخصيص تعهداتها المليار ريال ، وحولتها إلى مشاريع ، ومنحت اليمن مبالغ إضافية في اجتماع مجلس التنسيق الأخير في الرياض.

لا دعم مالي من الغرب حتى الآن

دائماً ما نسمع ونقرأ في مقابلات الأخ/ رئيس الجمهورية بأن الدعم الأمريكي قليل ولا يذكر ، ويتركز على قضايا تبادل المعلومات والقضايا الأمنية ومكافحة الإرهاب . وصرح ممثلو الغرب في مؤتمرات المانحين بأنه لا يوجد دعم مالي حالياً لليمن حتى تفي بالتزاماتها ، ولم يقولوا لنا ما هي الالتزامات سوى أنها عبارات عامة مطاطية غير مفهومة ، مثل : مكافحة الإرهاب ومتطلبات الحكم الرشيد والتفاوض مع صندوق النقد الدولي لتنفيذ روشتات هذا الصندوق . والقاصي والداني يعرف أنه عندما يتدخل صندوق النقد الدولي ويفرض روشتاته على أي بلد يفقر شعبه ويدمر اقتصاده ويضعفه ؛ تمهيداً للسيطرة عليه من قبل الغرب !!

ولهذا لم تخرج مؤتمرات المانحين ابتداءاً من لندن وانتهاءاً بنيويورك بأي مقترحات واضحة لاستيعاب اليمن كبقية تعهدات المانحين التي أعلنت في مؤتمر لندن عام 2006م.

سايكس بيكو جديدة للبحر الأحمر وخليج عدن :

لا أحد ينكر أهمية البحر الأحمر وخليج عدن للدول الغربية ، وليس المجال هنا لإيضاح هذه الأهمية ، فهي واضحة ولا تحتاج إلى مزيد إيضاح ، وما يهمنا هو لماذا -الآن بالذات- زاد الاهتمام بهذه المنطقة؟!

باختصار شديد ، بدأ الاهتمام الغربي يتزايد بمنطقة البحر الأحمر وخليج عدن في البحر ، وهو يخطط الآن إلى الانتقال من الماء إلى اليابسة بهدوء وحذر ؛ حتى لا يكرر مآسي تدخله في أفغانستان والعراق في ظل صراعات إقليمية ، لم يعد الغرب متحكماً فيها بما فيه الكفاية ؛ ولهذا فإن الغرب يخطط لفتح منطقة إستراتيجية جديدة في محاولة لقلب التوازنات الإقليمية ، بما يؤدي إلى خدمة مصالحه في المنطقة .

ولا يخفى عن المحللين والمراقبين أن في أعماق مياه البحر الأحمر وخليج عدن غواصات تكتيكية وإستراتيجية تابعة للدول الكبرى ، وفي سطح البحر سفن وبوارج حربية ، وكل ذلك بحجة مكافحة الإرهاب ، وتفتيش السفن ، وحماية الملاحة الدولية بعد أن أدرك الغرب أن مضيق باب المندب يعادل بأهميته الإستراتيجية قناة السويس وأكثر .

ويعيد المحللون والمراقبون بروز ظاهرة القرصنة في البحر الأحمر وخليج عدن ، وعمليات تهريب السلاح إلى أياد خفية ؛ بهدف التسخين لخطوات أخرى يسعى الغرب للوصول إليها .

ولا يمكن لأي مراقب أن يتجاهل التحركات العسكرية الغربية في البحر الأحمر وخليج عدن ، فجيبوتي تستضيف قاعدة عسكرية فرنسية وأخرى أمريكية ، إضافة إلى قاعدة إسرائيلية مصغرة وبعض القطع البحرية البريطانية والألمانية والإيطالية .وأمريكا عززت وجودها بنشر قوات الانتشار السريع التي تعمل جنباً لجنب مع قوات التدخل السريع الفرنسية المتمركزة في جيبوتي .ومصر تستضيف قاعدة فرنسية وأخرى أمريكية في ميناء الغردقة .

وهناك حديث عن صراع روسي صيني مع واشنطن حول إنشاء قاعدة عسكرية في جزيرة سقطرى وقد تداولتها وسائل الإعلام المختلفة عقب العدوان الإسرائيلي على غزة تقارير غربية تتحدث عن ترتيبات عسكرية وأمنية جديدة مشتركة تضم أمريكا والكيان الصهيوني ومصر وأريتريا وجيبوتي والأردن .

وتم الإيعاز إلى مصر وأريتريا وجيبوتي والأردن الاستمرار في الجهود باتجاه مشروع منتدى تعاون دول البحر الأحمر ، الهادف لبناء تحالف إقليمي يجمع هذه الدول كمقدمة تضاف إليه إسرائيل فيما بعد .

صراع أمريكي أوربي صيني على المنطقة :

وبالعودة إلى خليج عدن ، وبروز ظاهرة القرصنة التي أشارت تقارير عديدة أن وراء ظهورها أياد غربية خفية ؛ فإننا نجد أن الصراع الدولي الخفي الذي اختلق ظاهرة القرصنة ، يهدف إلى ترتيبات أمنية وعسكرية جديدة لخليج عدن ، باعتباره ممراً بحرياً استراتيجياً عالمياً يربط بين ثلاث قارات . والخطوة الأولى التي ستليها خطوات هي مكافحة الإرهاب والقرصنة ؛ ولهذا كان الحضور العسكري الأمريكي والغربي المكثف ، وهو ما يدل على إمكانية ظهور اتفاق (سايكس بيكو جديدة) لتقاسم ثروات المنطقة ومناطق النفوذ .

أما الخلفيات والذرائع التي يطرحها الغرب لإيجاد(سايكس بيكو جديدة) فهي برأي المحللين والمراقبين تتحدث عن أن حرب النفط سوف تنتقل من الخليج إلى إفريقيا ، خاصة وأن هناك مؤشرات إلى أن احتياط النفط في السودان يعادل الاحتياطي السعودي ، وأن واشنطن أخذت على عاتقها حل مشكلات الشرق الأوسط ، وضيقت الخناق على أوربا ، وكذلك الهند والصين ، وأنه في حال سيطرت الولايات المتحدة على دارفور ؛ فإن الصين ستفقد 10% من وارداتها من النفط .

وهكذا يبدو واضحاً التحرك الأمريكي والغربي عموماً في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن ، سواء بزيارات محدودة لمسؤولين إلى صنعاء ، أو بإرسال قطع بحرية عسكرية لمحاربة القرصنة في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن والقرن الأفريقي ، إضافة إلى حملة إعلامية مكثفة عن القرصنة وتضخيم القاعدة وتهديداتها للأمن والاستقرار ، وما إلى ذلك من المبررات .

كل ذلك يشير إلى إدراك حساسية وأهمية هذه المنطقة الإستراتيجية ، أضف إلى ذلك التطورات الخطرة الأخيرة في اليمن ، وأهمها : الحرب بين الحكومة والحوثيين ، والحديث عن تدخل إيراني لخلق(كانتون شيعي) جنوب المملكة العربية السعودية ، وما يشكله ذلك من تهديدات للمصالح الأمريكية والغربية ، وهو ما يدفع أمريكا والغرب عموماً إلى خوض معركة سياسية قادمة في المحافل الدولية ، مع إيجاد الورقة الرابحة التي ستشكل نقطة ارتكازها الأقوى في حوارها لإعادة صياغة القرار في خليج عدن والقرن الإفريقي والبحر الأحمر ، ما يتطلب إيجاد )حلفاء( أو أنصار على الأقل في المنطقة .

وهنا تعول هذه الدول الغربية وقادتها على اليمن ، مهما كان ظاهر العلاقات مع صنعاء التي أصبحت مفتاحاً ذهبياً إستراتيجياً للوصول إلى ترتيبات عسكرية وأمنية جديدة وتقاسم النفوذ (سايكس بيكو جديدة) في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن .

وهكذا يتضح أن مؤتمرات المانحين - أصدقاء اليمن- حول اليمن ما هي إلا خطوة ستتبعها خطوات أخرى للوصول إلى حماية المصالح الغربية في الأول والأخير .

والله غالب على أمره .

*مدير تحرير مجلة المنتدى

eba777799732@yahoo.com

 
في الخميس 30 سبتمبر-أيلول 2010 06:13:48 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=8025