نهاية تليق بالرئيس
محمد العلائي
محمد العلائي

أعرف أن المقارنات التي تؤكد على الحالة الصعبة والخاصة لليمن، تتصادم مع تلك الرغبة النبيلة في اقتناص الفرصة التاريخية الناجمة عن ثورتي تونس ومصر. ذلك أن المعنى النهائي لهذه المقارنات هو وضع اليمنيين أمام خيارين لا ثالث لهما: إما استمرار النظام الحاكم على هذا النحو، أو الذهاب إلى فوضى عارمة وحروب.

وهذا غير عادل تماماً، وغير منطقي على الأقل في ظل الأجواء "الثورية" التي تجتاح المنطقة.

ومع ذلك لا مناص من المقارنة، لكن بهدف تحذير الرئيس وتحفيز حساسيته الوطنية، وليس بهدف زرع الخوف في نفوس المعارضين. على سبيل المثال: حصلت تونس على استقلالها سلمياً، وانقلب بن علي على بورقيبة سلميا، وأطاح به الشعب سلميا. مصر أنجزت كل تحولاتها الكبيرة في التاريخ الحديث سلمياً: الاستقلال، وثورة يوليو، وثورة 25 يناير.

على الإطلاق، لم تأخذ الثورات في البلدين طابع نزاع أهلي مفتوح وباهظ التكاليف.

كل ثورات اليمن وتحولاته الكبيرة تمت بواسطة العنف: حصل شمال اليمن على استقلاله من الأتراك من خلال ثورات عنيفة وحروب أزهقت فيها الكثير من الأرواح في صفوف الأتراك واليمنيين، وحصل جنوب اليمن على استقلاله من الانجليز عن طريق الكفاح المسلح مصحوبا بنزاع أهلي طاحن، كانت الجبهة القومية وجبهة التحرير أبرز أطرافه، وثورة سبتمبر في الشمال ضد الإمامة ما لبثت أن تحولت إلى حرب أهلية دامت 8 سنوات. على أن معظم انتقالات السلطة في الشمال والجنوب قبل الوحدة كانت تنجز عبر دورات عنف وفظاعات.

الوحدة اليمنية تحققت سلميا، بيد أنها انتهت في 1994 لكي تستمر بعد ذلك كحصيلة لحرب أهلية ضارية.

المصريون والتونسيون، على حد سواء، كانوا يمتلكون دولة قوية ذات حضور طاغٍ وتقاليد واستمرارية تاريخية. بينما نحن على النقيض. فدولتنا ضعيفة للغاية، وتاريخنا السياسي مجزأ، والجيش لا يعدو عن كونه حرساً شخصياً للرئيس، تشكيلاته وهياكله التنظيمية كلها صممت بما يلبي الحاجة الأمنية للرئيس بالذات. وفي ظني أن الجيش بوضعيته الحالية يمثل أحد أكبر المخاطر التي تتهدد أمن البلد والمنطقة بأسرها.

لا يوجد يمني حاليا يشكو من حضور الدولة، بل من غيابها. في حين كان المصريون قد ضاقوا ذرعا من البوليس والنظام. ربما كانت الدولة في مصر متخلفة وفاسدة، لكنها في كل الأحوال كانت تتمتع بجهاز بيروقراطي عريق، وبنية مؤسساتية متراكمة. باختصار دولة تسيطر على ربوع البلاد بقبضة أمنية محكمة. "هذا بلد مشهود له بالاستقرار السياسي"، بتعبير فؤاد عجمي.

...

هل بمقدور اليمنيين صناعة ثورة -مع نفوري الشخصي من هذه الكلمة- تحقق التحول الديمقراطي المنشود، وتقضي على الفساد والاستبداد والتوريث، دون أن نضطر لعبور حرب أهلية يصعب السيطرة على نتائجها؟

وإذا كان المعلقون والخبراء قد رجحوا أن اليمن ستكون التالية بعد تونس ومصر، فإن أحدا منهم لم يضمن مسارات شبيهة بثورتي تونس ومصر ولا حتى قريبة منهما. خذوا مثلا ما قاله، الأسبوع الفائت، جيمس كلابر مدير المخابرات الوطنية الأمريكية في إفادة أمام لجنة بالكونجرس يوم الخميس عن أن التحديات السياسية والأمنية وتحديات التنمية تمثل أكبر تهديد لليمن منذ الحرب الأهلية عام 1994.

نحن بإزاء زمن جديد، وعبثا نحاول الوقوف في وجهه. مع ما حدث في مصر وتونس تذكر بعض المعلقين ما يسمى بنظرية أحجار "الدومينو إفكت". وهي رؤية سياسية تصرفت الولايات المتحدة الأمريكية بمقتضاها بين عامي ١٩٥٠ و١٩٨٠. النظرية تؤكد على أن أي تغيير في منطقة ما، سيولد تغيرات متشابهة في المناطق المجاورة. ولقد تورطت واشنطن في فيتنام لكي تمنع المد الشيوعي الذي كان ينتشر في آسيا كالنار في الهشيم.

...

أظن أن رد اللقاء المشترك، يوم الأحد، كان مسؤولاً وحكيماً ويفصح عن إدراك عميق لواقع اليمن وتعقيداته. ولا بد أن الخطاب يتوجه من الآن فصاعدا إلى الرئيس بالذات. إن تجنيب البلاد شبح حرب أهلية مرهون بالطريقة التي سيتصرف بها هذا الرجل خلال الفترة القادمة.

الضمير الوطني المفترض، وحتى الإنساني، للرئيس على المحك، وليس حذقه ولا دهائه الشخصي وطيشه. انتهى الزمن الافتراضي للألاعيب، انتهى وقت التحايل والتكتيك والترحيل والارتجال والتضليل، انتهى زمن خلط الأوراق والمراهنة على الحظ وقوة الطباع. نعرف أن لديه مؤيدين، أكثرهم مأجورين، ونستطيع أن نتفهم مخاوفه، لكن عليه أن يتيقن بأن اليمن على مشارف تحول يمكن أن يفضي إلى حالة ديمقراطية واستقرار سياسي وتماسك وطني، ويمكن أن يفضي إلى فوضى وعنف وتفكك وخراب.

المخيمات ومجاميع القبائل لا توفر للرئيس ولا للبلد مصيراً آمناً، ما يمكن أن يوفر ذلك الآن وليس غدا، هو الاستجابة الفورية للحوار الوطني الشامل قبل فوات الأوان، والبدء الحقيقي والملموس في اتخاذ قرارات صعبة وحاسمة تتعلق بالتوريث والفساد، وإعادة صياغة الجيش على أسس وطنية ليكون حامي البلاد والقوة المحايدة الأمينة التي تملأ أي فراغ محتمل، والعمل الدؤوب مع اللقاء المشترك والقوى الوطنية من أجل التوصل لأفضل آليات انتقال السلطة.

بالطبع، قلة جدا من يريدون خروج الرئيس من السلطة الآن على طريقة زين العابدين ومبارك. رغم أن دائرة هؤلاء قد تتسع في الأيام المقبلة لا سيما إذا تعامل الرئيس مع عقلانية اللقاء المشترك بمزيد من الاستخفاف أو الخداع والصلف. حتى هذه اللحظة لا يزال بوسع الرئيس صالح صناعة خروج مشرف وكريم في 2013 أو حتى قبل 2013، ولا يزال بوسعه منع اليمن من الانزلاق في الفوضى والعنف والتفكك.

بحسب حنة ارندت، فإن "الثورة" كلمة تم استعارتها من قاموس علم الفلك إلى قاموس السياسة في لحظة معينة من التاريخ الأوربي. كانت الكلمة تستخدم لوصف حركة النجوم الدائرية، بمعنى تلك العملية التي لا تقاوم. أريد القول انه لا سبيل إلى مقاومة مد التاريخ الآن حتى لو كان من المحتم أنه سيجرفنا إلى هاوية سحيقة.

الرئيس يمتلك جيشاً وسلاحاً ومالاً، فيما المعارضة لا تملك شيئاً، وبالتالي فالمسؤولية التاريخية والوطنية تقع عليه شخصياً وليس على التواقين للتغيير إذا ما سارت الأمور في اتجاه حرب أهلية شاملة وتفكك. لقد نال الرئيس من الأمجاد ما يكفيه. وهو يحتفظ بسيرة حياة مليئة بلحظات من الأبهة التي لا تستبدل، سيرة حياة مليئة بالمتاعب والملذات. الرجل حظي بكل شيء: السلطة، الفخامة، المتع، والنصر. وأظنه محتاجاً لنهاية تليق بكل هذا.

من هذا المنطلق ليس سهلا التماس الأعذار بعد اليوم للرئيس ولا لشبكة المصالح الضيقة التي نشأت من حوله. على الرجل أن يجعل من الأشهر القادمة فرصة أخيرة يكرس فيها طاقته وحيله من أجل شق ممر خروج آمن وسلس من السلطة بعد بضع وثلاثون عاما من الحكم. بالتأكيد سيكتشف كم أن لحظة المغادرة أصعب بما لا يقاس من لحظة الوصول إلى الحكم.

يجب أن يبدأ، ويبدأ على الفور قبل أن تضرب العاصفة. أظنها تضرب الآن!.


في الثلاثاء 15 فبراير-شباط 2011 11:29:18 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=9131