قبل.. الآن فهمتكم
كاتب/مهدي الهجر
كاتب/مهدي الهجر

الحالة الثالثة في التغيير على النموذج الحاصل الآن في ضوء الارهاصات والمؤشرات هي اليمن , وقد تكون الاردن , أو ربما الجزائر , وليس ببعيد أن تكون مَن ليست في التوقعات كــ  ليبيا أو سوريا فبعد بن علي ما عاد في القول مستحيل .

فما حصل في تونس , اسقط مقدمات التحليل المعتادووصمه بالكلاسيكي , وأدخل عليه منهجية وأدوات جديدة لتحديثه عند قراءات وتقييم المشهد .

كانت مفاجئة عقدت الدهشةُ الألسن , وصعقت لها العقول , جاءت على غير الحسابات والتقديرات القائمة.

الآن يبدو أن قواعد اللعبة وقواعد التحليل قد تغيرت تماما .

والواقع الحتمي اليقيني المؤكد أن الحالة ستعم الجميع في زمن قياسي جدا ، وأن وضع الدول العربية الآن اشبه بطابور انتظام , ولحظات انتظار فيه برهه ليس أكثر اللاحق ينتظر نموذج من تقدمه في الوصول بقلق المستعجل لكن في حالة المشاهدة المتأملة والتقييم الرصين , للخروج من التجربة الحاصلة الى الدروس والعبر، وقراءة مواطن القوة والضعف وجوانب المخاطر والفرص, ثم استنساخ النموذج بإضافات أخرى تُواءم خصوصية البيئة والزمان , مع سلسلة من الابداعات تبدأ من حيث انتهى السابق .

المتأمل لما حصل يجد أن النموذج السيكولوجي للحاكم العربي في تعاطيه وتفاعله مع الحدث والمشهد هو نفسه يتكرر, لا يأتي الا في اللحظة الاخيرة وعند نقطة بلوغها التراقي , أو الغرغرة , في ترتيل عاطفي يتوسل ( الآن فهمتكم ).

كما ان الاسباب هي نفسها .

اختناق الحريات , ومصادرة الحقوق , والقمع , والفهلوة أو التذاكي بالغباء المقزز ذاته , ولعلي أجزم واثقا على ضوء قراءة السنن والتاريخ أن ما يحصل الآن هو نتيجة لمقدمة كانت هي غزة وفي المجمل فلسطين ، تعاونوا وتداعوا على ضرب غزة وخنقها , ومصادرة فلسطين كل ذلك ابتغاء لوجه الرب في البيت الابيض , فأعقبهم الله حصارا وخنقا يجدوه الآن , ولعنات تترى , وهلاك للحرث والنسل , والمضحك ان البيت الابيض والاتحاد الاوروبي وقفا كموقف ( وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22....) , ثم لا سباب أخرى مترابطة محلها التناجي والصرخات الآن .

أقف عند الحالة اليمنية وهي حسب الشواهد قريبة وبين جوانحي عاطفة تتوقد , فأنا اتمنى حصول التغيير السلمي بآلية من النظام نفسه حتى لا تراق قطرة دم , ولا ينتطح فيها عنزان , كما اني أكره كثيرا مشهد الرئيس صالح وعائلته وهو يكرر المشاهد السابقة ، فأنا وغيري من ابناء جيلي نختلف مع الصالح حول نفس الاسباب وبالمقدار الذي اختلف فيه غيرنا مع غيره , لكنا والكثير على الساحة اليمنية نكن للرئيس الصالح التقدير والاحترام الكبيرين لشخصه , ونثمن له كثيرا بعض مواقفه في بعض مسيرته , ونتمنى ان يختم مسيرته برصيد اكبر من الحب والتقدير في قلوب شعبه عندما يختمها بنفس او قريب من نموذج ما نديلا , ليقف على التاريخ .

إن مانديلا اليوم فوق مستوى الزعامة كلها على مستوى العالم ، بل إن كثيرا من زعماء العالم المتقدم يتسابقون لأخذ صورة بقرب ما نديلا .

فعندما يدلي مانديلا بتصريح ما حول السياسة الدولية أو الوضع الانساني , يغطي الفضائيات والوسائل الاعلامية المختلفة , وتصغي لقوله باهتمام الانسانية متى بلغها .

القراءة هنا نحسبها موضوعية صرفة لمشهد متحرك , وليست مع أو ضد وإن كان للعاطفة فيها نصيب . .

إن عملية التغيير بدأت ولن تقف حتى تؤتي ثمارها , وإن الشارع خرج بجموعه ولن يعود حتى يصل , وإن عملية التغيير أضحت اليوم كونية .

وأن الجولة إن حصلت بين الحاكم وشعبه , فقطعا النصر فيها للشعب , لكن بقدرما يضرب الحاكم شعبه ويسير اثناء المواجهة بالقتل والدموية بقدرما يرتكس ، ويُضيق الخناق على نفسه أمام شعبه والعالم , ويُعطي الحق والدليل أكثر لملاحقته قانونيا والاقتصاص للإنسانية كلها وليس لشعبه فحسب.

نحن في زمان تغيرت معالمه , وموجهاته , ومحركاته ومراكز القوى فيه تماما .

فإذا كان الحاكم بالأمس يعتبر القبيلة ومؤسستي العسكر والامن , ثم حزب سياسي يصنعه فيمتطيه أهم مقومات بقائه واستمراره ، فإن تلك إن كانت لها فاعلية فقد سقطت اليوم ، والقبيلة ذابت في مساحة وقيم هذه القرية الكونية الصغيرة ، ومؤسستي العسكر والامن هزمتها وشلت اثرها تماما منظمات المجتمع المدني , فالسيدة توكل كرمان ــ على سبيل المثال ــ بمنظمتها وصفتها الاعتبارية ، وبما تحمله من موقف وقيم عصرية إنسانية وهموم هي محل التفاف وتضحية وإصرار لقادرة على ردع عشر فرق مجحفلة ، وعشرات أمن مركزي عند قراءة ميزان القوى في حالة حصول أو التلويح بجولات من نوع ما .

أما الحزب السياسي ومعية الدعم الخارجي فقد هلهلت هذا وذك مطالب اليوم وضغط الواقع الاقتصادي .

والحقيقة اليوم أن أي طاغية أو فرعون غير قادر مهما كان عتلا أن يذبح من شعبه فوق العشرات فإن فعلها ضج العالم عليه , ولحقه أحرار الانسانية حتى وإن أختبأ في جحر ضب .

فالدكتاتور حسني مبارك استخدم كل الفنون بدء من ابداعات وتقنيات عمر سليمان وخبرات الموساد مرورا بالبلطجية و دهس الناس بسياراته ومدرعاته وصولا الى أحدث سيارات السفارة الامريكية المخندقة لسحق شعبه ، ولكن العاقبة كانت لوائل غنيم الشاب الظامر , والشابة سالي حيث اسقطا الفرعون , وتم اقتلاعه من الجذور والقواعد فلم يعد سوى (اليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية )

( فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُو ا إِنَّي مَعَكُمْ مِّنَ الْمُنْتَظِرِينَ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ ( [ يونس : 102 - 103 ]

المعادلة اليوم تغيرت , على ما قال العزيز فيصل الصانع فنحن بين عصرين , عصر ما قبل قناة الجزيرة , وعصر ما بعد الجزيرة , أو مرحلة ما قبل بن علي ، ومرحلة ما بعد بن علي , والكلام للصانع .

بالأمس قتل حافظ الاسد اكثر من اربعين الف من حماة , وقتل الف سجين من معارضيه في سجن تدمر , وكأن شيئا لم يكن .

اليوم حصل الزلزال بسبب صاحب عربية في تونس عندما احرق نفسه ولم يحرقه غيره .

طبعا الآن في اليمن ومن المؤكد ان ثمة من يسمون أنفسهم مثقفون أو نخب قريبون من صاحب القرار تحضر افكارهم مع مجالس القات وتبعا لنوعية القات نفسه ، وكأني بهم يقولون لهذا أو ذك من دائرة الحكم بكل ثقة واريحية , (نعم يا فندم بس الاوضاع في اليمن تختلف ) ثم بشيطنة ومكر يهمس احدهم بعد ان يغمز إحدى عينية وبضحكة ماكرة وفمه من القات ممتلئ بشدقيه لا يكاد يبن ( عندنا الوضع الجنوبي والقبائل وموضوع صعدة يمكن اللعب والمساومة بها ) .

والحقيقة أن هذا الفريق هو نفسه الذي كان يئز في أذن بن علي فقد كان مستشاروه يؤكدون له أن عملية التغيير مستحيل أن تكون في تونس طالما وان بن علي قد نجح في استئصال شأفة الاسلاميين البديل الآخر وا البعبع للعالم الغربي .

كما ان تونس على تماس مع اوروبا وهذه الاخيرة مصلحتها مصيرية في وجود نموذج حكم على الضد مع الاسلاميين .

فالقرار هنا دولي والضمانات قطعية , غير ان بن علي في لحظاته الاخيرة صاح بعبارته المشهورة خدعوني وضللوا علي .

وفي مصر كما الاردن ــ حسب هؤلاء ـــ فإن الضمانة أقوى ، فهناك الحزب الحاكم ، ثم رجال المال والاعمال , والورقة القبطية فالجيش والامن المؤسستين المغلقة وقد رضعتا كعقيدة أن الاسلاميين هم العدو , لكن الجوكر الاقوى هو أمن اسرائيل ، والحماية الامريكية .

وفي ليبيا يعتقد القذافي ومستشاروه ان لليبيا خصوصية فهناك الجماهيريات ، والمجالس الشعبية ، وأن القذافي ليس بدكتاتور ولا يحكم أصلا ، فالشعب هو الذي يحكم من خلال المجالس الشعبية , كما أن الشعب يتقاسم بأريحية ثروته .

أما عند الاسد فركونه على موقفه القومي ونضاله في الممانعة , ثم الحميمية مع ايران .

ووووو........

وكلها في النهاية قراءات كلاسيكية سقطت مع (إذا الشعب يوما أراد الحياة ) ومع ( السيف أصدق انباء من الكتب )

أحب لبلادي الحق والحرية والتنمية والامن والاستقرار , وأن تلج العصر

وأحب لرئيسي أن تبقى له وتدوم المكانة الطيبة والذكر الجميل .

فهل نبدع في اليمن تغييرا من نوع متميز يسرع اليه الحاكم ويلتقي معه المحكوم بأقل كلفة ؟

الكرة الآن في ملعب الحاكم .............


في الأربعاء 16 فبراير-شباط 2011 07:40:54 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=9152