حرية قلم...
نجوى دائل العريقي
نجوى دائل العريقي
اشتد الشتاء وزاد الصقيع الشوارع المزدحمة بالسكان أصبحت فارغة فالكل قد رحل إلى منزله هرباً من شدة الصقيع حيث يشعر بدفء المنزل.. قررت أنا أيضا أن أعود إلى منزلي.. طرقت الباب, فتحت لي الخادمة فنظرت نحو المدفأة حيث ما زالت هناك جالسة كما تعودت رؤيتها تحيك الصوف بيدها.
-   مساء الخير جدتي..
نظرت إلى بكل لهفة
-   أين كنت؟ قلقت عليك..
-   لم أعد صغيرة فقد كبرت.
-   ستضلين في نظري تلك الطفلة الصغيرة المدللة العنيدة مهما كبرتِ.
ثم ضحكت..
فما زلت أسمع قهقهة صوتها حتى اختفت خلف باب غرفتها الصغيرة، فسمعت صوت الخادمة تقول: هل أجهز الطعام؟
-   سوف ارتاح قليلاً.
وبينما كنت متكئة على الأريكة غلبني النعاس.. شعور جميل أن تشعر براحة كبيرة وأمان, وأنت في وطنك الحبيب, شعور رائع وأنت تحس بطمأنينة, وأنت في بيتك تنعم بأحلام وردية, وعندما تصحو تسمع صوت العصافير وأصوات البائع المتجول يقدم لك الخدمات إلى بيتك.. فجأة انقلب الحال إلى محال, وأصبح النهار ظلام وانقلب الهدوء إلى فوضى, وبدل النغمات أصبحت أسمع صرخات, فشدني الموقف في النظر إلى الطرقات, فإذا بموكب عظيم وهتافات, فقلت في نفسي: أهو زعيم قد مات؟ فخرجت راكضة أتحقق من الكلمات ويا ليتها ظلت كلمات بل تحولت إلى دماء تسيل في الطرقات.. نيران تأكل الأخضر واليابس والشاطر فينا جالس يراقب الأخبار..
سألت طفلا: ماذا يحدث في الشارع؟، فقال مهرجانات قبل الانتخابات, وسألت شاباً آخر, فقال: هذا ترحيب بزعيم آخر، ثم وجدت شيخاً, لعله أعلم, فقال: سمعت أن هناك جرعة نزلت في الأسواق فخرجت أبحث عنها في الصيدليات, فتبسمتُ, وقلت: هيهات: السماء الصافية أصبحت ملبدة بالدخان والشوارع تضج بأصوات الرصاص، أين الهدوء؟ أين الأمان؟ هل أنا في بلادي أم في دولة احتلال؟
والسؤال هنا من حفر الحفرة, أهي دودة الأرض أم فار جاء من الغابات؟ وبينما كنت أسأل نفسي صحوت من نومي على أصوات أقدام سريعة في الممرات وطرقات مفاجئة وقوية فشعرت أن أقدامي لن تستطيع الوقوف, شعرت أن الباب سوف ينخلع من شدة الضرب عليه, فسمعت الخادمة تقول: من الطارق؟ وعندما فتحت الباب وجدت مجموعة من الرجال مدججين بالسلاح انتشروا في أركان المكان, فصرخت في وجه أحدهم: ماذا تريدون؟ ماذا يحدث؟ فكان الجواب: أنت, فقلت لماذا؟ فلم أسمع جواباً، ولم أشعر إلا وأنا أُرمى في سيارة, وكأني مجرد كرسي وليس إنسان له احترامه، وعندما صرخت في وجه آخر رفع يده إلى أعلي فضننت أنه سيدع ليّ, لكن خاب ضني فقد كانت يده تهوي علىّ وأفقدني وعي, وعندما أفقت وجدت نفسي في غرفة مظلمة، وبعد لحظات سمعت أصوات أقدام, ثم فتح الباب ووجدت شخصا يقف أمامي, ونيران الغضب تتطاير من عينيه وصوته، وبدأ في عملية الاستجواب، وعندما لم يجد إجابات مني, نظر إليّ باستهتار، وقال: في المرة القادمة سيكون سجنك محتم، وكان يتوعد: إليّ متى ستظلين تكتبين تلك المقالات الساخنة وتنادين بحقوق الإنسان؟ دعي الخلق للخالق ولا تحشر أنفك بما لا يعنيك.. كان يتحدث إليّ وكأني لست من هذا الوطن فخرجت.. وكان شعور جميل عندما تشعر بالحرية..
وحصلت علي حريتي بعد ثلاثة أيام من السجن والاستجواب, لكن متى سأحصل على حرية قلمي؟ نعم حرية قلمي, فما زال قلمي أسير, وفي اللحظة التي كنت أفكر فيها سمعت صوتا حنونا يناديني: حبيبتي اشتقت إليك, فنظرت لمصدر الصوت العذب الذي اشتقت إليه وركضت نحوها واحتضنتها، وقلت لها نعم أيتها الجدة الرائعة اشتقت إليك, ولدفء حضنك وحكايتك الجميلة.
وما زلت أسأل نفسي: أيهما أقوى صوت الرصاص أم كلمات قلمي الرصاص؟؟
في السبت 26 فبراير-شباط 2011 03:33:31 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=9252