سقوط النظام الشطري
مصطفى راجح
مصطفى راجح

توحدت اليمن مطلع التسعينيات، وكان إعلان الوحدة أشبه بتسوية تأريخية، تطلع إليها اليمنيون لوضع حد للحروب الأهلية والصراعات، التي لازمت تأريخهم الحديث منذ بداية الستينيات. غير أن دولة الوحدة المأمولة بدت حلماً بعيد المنال مع استئناف الحروب بفصل حرب 94، التي سكتت نيرانها بعد شهرين واستمرت بأشكال مختلفة ضداً على الجنوب واليمن كلها.

أنتجت الحرب نهاية للنظام الشطري لدولة الجنوب السابقة، غير أن البديل كان تمدد النظام الشطري الشمالي ليحكم اليمن كله بعقلية أحمق من تلك التي حكم بها الشمال قبل الوحدة، وإدارة أكثر تخلفاً من تلك التي أدار بها في الثمانينيات. اعتقد حينها المنتصرون أن هذه الحرب قد حسمت موضوع السلطة في اليمن إلى الأبد، فبالإضافة إلى الحسم العسكري، ساهمت نهاية الحرب الباردة، وتخلص النظام من ضغط المنافس النقيض الموجود في الجنوب، في غرور النظام الذي أطلق العنان لكل مساوئه، التي شكلت نظاماً سلطوياً طفا على سطح الحياة اليمنية بجميع مناحيها "دولة وقضاء وتعليماً وتكوينات محلية وجيشاً وأمناً وصحة وخطاباً صادماً لليمنيين بكل ما هو قبيح وهمجي".

الآن وقد صحا اليمنيون، وتوحدوا من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب تحت شعار إسقاط النظام، يمكن أن تكتمل المهمة التأريخية بإزاحة النظام الشطري الآخر الذي أذاقهم الويلات طوال السنوات العشرين الماضية، وشتتهم، وأدخل بلدهم في حروب أهلية وتوجه فشله على كل المستويات، باحتكار السلطة، وتسخير كل إمكانيات البلد لتوريثها لمنظومة الأقارب الممسكة بمفاصل النظام والمحتكرين لأدوات القوة والنفوذ والمال في النظام والمجتمع بشكل عام.

في مصر احتاجت الثورة إلى 18 يوماً لخلع حسني مبارك وتفكيك نظامه، وقد شكر الأستاذ محمد حسنين هيكل عناد حسني مبارك، الذي مكن المصريين من إسقاط النظام بكامله وليس فقط رئيسه العنيد. عندنا في اليمن نحتاج إلى عناد إضافي من رئيس النظام، ليس من أجل اقتلاع النظام من جذوره فحسب، وإنما لأمر أهم؛ أن يستغل شباب اليمن المحتشد في ساحات النضال السلمي في صنعاء وتعز وعدن وحضرموت وعمران والبيضاء وإب وذمار، يستغلوا هذه الأيام والأسابيع، وحتى الأشهر الاستثنائية في إعادة إنتاج الاندماج والتلاحم الوطني تحت راية الهدف الواحد الذي يجمع كل اليمنيين ويعدهم بغدٍ أفضل. إعادة إنتاج التوحد الشعبي اليمني الذي شهد له العالم أنه الإحساس الأقوى بالهوية في زمن التشطير، والذي عبثت به سياسات النظام خلال السنوات العجاف الماضية. ومن شأن توحد شباب الثورة في عدن وصنعاء وتعز وحضرموت وبقية حواضر اليمن وبواديها أن يفتح الباب واسعاً لإنجاز الهدف الذي تأخر كثيراً بقيام دولة الوحدة اليمنية، الدولة المدنية الحديثة التي تكفل المساواة والعدالة لكل مواطنيها وتعدهم جميعاً بفرص حياة متساوية، في ظل نظام يستعيدون في ظله حريتهم وكرامتهم وحقوقهم وحرياتهم في التنظيم والتعبير والحياة.

إن الشعب اليمني الذي أبهر العالم بنضاله المدني السلمي، وأبطل كل المحاذير التي تتحجج بانتشار السلاح، هو نفسه الذي يتوحد الآن، وسيتوحد أكثر في المستقبل، فالشعب الذي يتمكن من تغيير رئيسه، لن يعجز عن إنتاج قيادات شابة واعدة في كل الساحات لتعبر عنه، بدلاً من ديناصورات التمثيل المناطقي والشطري والمذهبي والقبلي، وبدلاً من القيادات الحزبية المتقادمة التي ستحظى باحتفال تكريم وشكر لتتفرغ للاستمتاع بشيخوختها والاهتمام بحدائق المنزل وإبداع الحكايات للصغار، ولعب الشطرنج والكوتشينة في النوادي والحدائق التي ستأتي حتماً مع موجة التغيير والحرية المتدفقة الآن والتي تضرب أمواجها في ساحات صنعاء وعدن وتعز وحضرموت وإب ولحج والبيضاء وأبين وذمار والضالع وعمران وشبوة ومن صعدة، حتى سواحل سقطرى.

*عن صحيفة "الأولى"


في الإثنين 14 مارس - آذار 2011 11:24:16 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mirror1.marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mirror1.marebpress.net/articles.php?id=9457