القتلة يتحصنون بالورق
بقلم/ متابعات
نشر منذ: 12 سنة و 10 أشهر و 13 يوماً
الثلاثاء 10 يناير-كانون الثاني 2012 06:26 م
 

سلمان الحميدي 

شكلياً وحتى الآن تحصن صالح وراء المبادرة الخليجية، وأعلن لأعوانه «أنِ افسحوا وتفسحوا وارفعوا رؤوسكم فإن المبادرة قد غفرت كل ما تقدم من جرائم»؛ لكن شيئاً -في الغالب قد يكون سيكولوجيا- يحيط بصالح وأعوانه من كل الاتجاهات ويؤطرهم بالخوف من حيث يعلمون.

أُريقت دماء اليمنيين على رقعة جغرافية شملت البلاد، وبالمقابل ظهرت ورقة بيضاء أُريق فيها مداد أسود يضمن القتلة ويحصنهم من العقوبات التي قد تطالهم في المستقبل جزاءً عادلاً بما اقترفوه.

نُقطةً ظالمة تصنع الفارق الشاسع بين «الحصانة، و«الحضانة»، بعد أن منحت الحكومة بغطاءها الخليجي والأممي الحصانة لصالح وأعوانه، في الوقت الذي كان فيه مبعوث الأمم المتحدة ودول الخليج العربي يتيهون داخل مُربع التناسي العمد من طرح مبادرة طيبة تُحيل التوأمتان ذواتا الخمس سنوات «رنا ورغد» إلى الحضانة مثلاً، فحبال الأفعال متصلة ببعضها.

رغد ورنا هما ابنتا الشهيدة جميلة علي أحمد شداد التي قضت حياتها بفضل قذيفة دبابةٍ وصلت إلى المنزل لتتكفل بيُتم الطفلتين وستة آخرين.

بفضل «أعوانه» تيتم أطفال كثيرون، وتأرملت نساء، وأكمل أطفال - كأنس السعيدي- نومهم في اللحود، وتمكن بفضله وأعوانه من وأد عنفوان الشباب، فقط لأنهم سألوه الرحيل.

أبعد ذلك تكون الحصانات؟!

في ذهن شاب مُتألم كعمار أحمد المخلافي بأن قتلة والدته سيُقدمون إلى المُحاكمة وأن الذين أطلقوا القذائف على منزلهم الكائن في حي الروضة بتعز، يستحقون أن يمثلوا أم محكمة الشعب ليأخذوا جزاءهم الرادع والعادل؛ لكن المبادرة أوصت (بأعوانه)، والأنكى من ذلك أن البند الرابع من المبادرة ينص على أن الاتفاق يحل «محل أي ترتيبات دستورية أو قانونية قائمة ولا يجوز الطعن فيهما أمام مؤسسات الدولة».

صالح غير مُحصن دولياً

مع مرور الوقت تتجلى الحقيقة وتبرز صورة العدالة بالشكل الذي ينبغي، حيث أكدت فعال صالح بأنه خائف من أية قرارات قد تُتخذ ضده. على الأقل خوفه حتى الآن من زيارة أمريكا.

فـالمادة (1) من قرار الحصانة منحت الأخ (الصفة التي جاء بها القرار)/ «علي عبدالله صالح- ومن عمل معه في جميع أجهزة ومؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية خلال فترة حكمه حصانة كاملة من الملاحقة القانونية والفضائية في أية شكاوى أو طلبات أو دعاوى قضائية يمكن أن ترفع أو تكون قد رفعت أمام أي جهات قضائية أو إدارية داخل الجمهورية اليمنية أو خارجها وذلك أثناء ممارستهم لمهامهم خلال فترة حكمه».

بالمعنى أن من حق صالح التجول داخل اليمن أو خارجه بحرية كاملة، إلا أن ذلك لم يحصل على الأقل حتى الآن، وكأن هاجساً ما يُطارد صالح ويمنعه من التجول بحرية.

في مؤتمر صحفي سابق قال الرجل بأنه سيغادر اليمن لتهيئة الأجواء للعملية السياسية القادمة، وأنه سيسافر إلى أمريكا قبل أن تقوم منظمات إنسانية وحقوقية بالاعتراض والتوجه بإصدار أوامر لاحتجاز صالح في أمريكا، مما دفع بالأخير بالتراجع عن قرار سفره، اعتراضاً على «طبيعة الـتأشيرة «كما جاء على لسان سكرتيره الصحفي أحمد الصوفي.

وفي مؤتمر صحفي منفصل قال الناطق الرسمي لصالح: بأنه -أي صالح- لن يغادر اليمن إلى أي دولة ومن بينها أمريكا للعلاج.

وكان أعضاء من الكتلة البرلمانية ومجلس الشورى وهيئات وزارية ومنتسبين إلى المؤتمر الشعبي العام، قد خلقوا غطاءً لمنع صالح من السفر إلى أمريكا وقدموا «قرارهم بعدم سفر الرئيس إلى الولايات المتحدة الأمريكية لاستكمال العلاج نظراً للظروف الراهنة في الوطن والتي تتطلب تواجده للمصلحة الوطنية العليا».

معتبرين تجاوبه مع هذا القرار (وإن كان له صلة بتهديدات منظمات حقوقية للقبض على صالح)» تضحية من أجل الوطن تضاف إلى تضحياته الكبيرة التي قدمها من أجل الوطن والشعب».

وزارة الخارجية الأمريكية لم تقف مكتوفة الأيدي إزاء التصريحات الموجهة للبيت الأبيض، واعتبر البيت الأبيض «سفر صالح إلى أمريكا أو عدم سفره يسبّب صداعاً لنا نحن في غنى عنه.. ليسحب صالح الطلب ويريح نفسه ويريحنا أو بصراحة ليخرج من القصر الرئاسي اليوم وليس غداً».

وتحدثت فيكتوريا نولاند -المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية: «نحن لم نتخذ قراراً بقبول طلب التأشيرة أو عدم قبولها»، مضيفة: «الرئيس صالح يحتاج إلى التنحي جانبا، والسماح للعملية السياسية بالمُضي قدماً».

هكذا يبدو صالح مُتخوفاً قبل أن تخرج مفوضية حقوق الإنسان ببيان شديد اللهجة علقت فيه على قانون الحصانة بالقول: «إنه يشكل انتهاكاً لالتزامات اليمن الدولية».

وأكدت المفوضة السامية أن القانون الدولي والموقف الثابت للأمم المتّحدة واضحان في أن العفو غير جائز إذا كان يمنع مقاضاة الأفراد الذين قد يكونون مسؤولين جنائياً عن ارتكاب جرائم دولية، بما في ذلك جرائم الحرب، والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

قانون الحصانة.. قانون إدانة

أثار قانون الحصانة جدلاً واسعاً في أوساط الناشطين والمثقفين، وكافة شرائح المجتمع، وكانت مواقع التواصل الاجتماعي وجهةً لطرح الآراء المختلفة.

رأى البروفيسور اليمني حبيب عبدالرب سروري (مغترب في فرنسا) أن قانون الحصانة قانون إدانة لأن البريء لا يطلب الحصانة من الخضوع للقانون على قدم المساواة مع جميع المواطنين.

وبحسب سروي فإن اشتراط علي صالح لخروجه من الحكم إصدار قانون يمنحه و»من عمل معه» الحصانة من المساءلة القانونية. ليس لهذا الشرط سوى معنى واحد: أنه يعرف تماما أنه قد ارتكب جرائم القتل والاغتيالات واستولى على المال العام والخاص، ونهِب وفسد وأساء استخدام السلطة، ويعلق البروفيسور سروري على ذلك: «لا يدرك أن مجرد اشتراط الحصانة أكبر دليل على إدانته. ولو كان بريئاً لما خاف من شيء.

أستاذ علم الاجتماع عادل الشرجبي كان له رأيه «بغض النظر عن الصيغة التي صدر بها قانون إعفاء صالح ومن عملوا معه فإن قانون الحصانة -بنظر الدكتور الشرجبي- باطلاً لعدة أسباب، لعل أهمها: أن المسئولية القانونية وفقاً للدستور والتشريعات الدولية مسئولية شخصية، وحتى يتم إعفاء أي شخص من المسائلة ينبغي أن يتم تحديد الشخص والجرائم المنسوبة إليه والتي يراد إعفاؤه من المسائلة حولها، ولا يمكن أن يصدر القانون المتعلق بالإعفاء بصيغة عامة هكذا «ومن عملوا معه»، فمن هم الذين عملوا معه، هل هم موظفو الدولة المدنيون والعسكريون البالغ عددهم حوالي مليون ونصف، وهل يشمل ذلك كل من تعاون مع الرئيس من شيوخ القبائل وعقال الحارات ومن البلاطجة وغيرهم؟

وبحسب الدكتور الشرجبي فإن هذا القانون يتعارض مع الدستور، وحتى لو اعتبرنا أن المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية بمثابة إعلان دستوري يعطل العمل بالدستور، فإن التشريعات عموماً بما فيها الدساتير والإعلانات الدستورية لا تسري أحكامها بأثر رجعي، وبالتالي لا يمكن أن تعفي من المسائلة جناة ارتكبوا جرائم قبل صدورها.

وينتقل الدكتور إلى نقطة مهمة مفادها: «أن الحكومة ومجلس النواب لا تملك حق منح حصانة من المسائلة القانونية والقضائية المتعلقة بالقضايا المدنية وقضايا الحقوق الخاصة، فالمتضررون وأولياء الدم هم من يملك التنازل عن هذه الحقوق».

*نقلاً عن صحيفة الأهالي