خفايا التحالفات القادمة بين ترامب والسعودية والإمارات لمواجهة الحوثيين في اليمن .. بنك الاهداف في أول تعليق له على لقاء حزب الإصلاح بعيدروس الزبيدي.. بن دغر يوجه رسائل عميقة لكل شركاء المرحلة ويدعو الى الابتعاد عن وهم التفرد وأطروحات الإقصاء الانتحار يتصاعد بشكل مخيف في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي.. طفل بعمر 14 عاما ينهي حياته شنقاً تقرير دولي مخيف....الإنذار المبكر يكشف أن اليمن تتصدر المركز الثاني عالميا في الإحتياج للمساعدات الإنسانية حرب المسيّرات.. التكنولوجيا التي أعادت تشكيل وجه النزاعات العسكرية ملتقى الموظفين النازحين يتجه لمقاضاة الحكومة في حال عدم إستجابتها لمطالبهم ما الدول التي إذا زارها نتنياهو قد يتعرض فيها للإعتقال بعد قرار الجنائية الدولية؟ خالد الرويشان يتحدث عن تصرفات حوثية لن يتخيّلَها حتى الشيطان:عارٌ علينا أن نصمت اللواء العرادة يطالب المجتمع الدول بإتخاذ تدابير عاجلة تجفف منابع الدعم الخارجي للمليشيات مليشيات الحوثي تحول مدارس صنعاء إلى معسكرات تدريب للطلاب
*لم يعد أحد –يمني أو سعودي- أحسن من الآخر.. هكذا صار لسان حال الواقع في المناطق الحدودية للبلدين.. وحدهم –الحوثيون- يتصرفون كما لو كان الأمر لا يعنيهم مطلقاً.. هذا بالنسبة لمقاتليهم في جبهات المعارك.. بيد أن الاهتمام لقيادات الحركة الحوثية تركز إعلاميا بدرجة رئيسة على شكل حرب موازية لتلك التي على الأرض.. ولكن في.. الفضاء عبر القنوات التلفزيونية وشبكة الإنترنت.
*لقد دخلت الحرب المجنونة خارطة الجيران.. وبانفجار الموقف في \"جبل دخان\".. تجد السعودية نفسها أمام خيار لا يقبل غير المواجهة والتصدي لعناصر الحوثيين –الذين تصفهم بـ(المتسللين)- دفاعاً عن سيادة أراضيها كما جاء في البيان الرسمي للمملكة.. حاملاً صيغة شبيهة بالخطاب الرسمي اليمني حول تداعيات أحداث صعدة المشتعلة منذ 2004م وحتى الآن.
*يبدو أن الأوراق –بقدر ما اختلطت- قد انكشفت بدخول الحرب منعطفاً جديداً .. ربما إنه لم يكن موجوداً ضمن الأجندة اليمنية السعودية..أو كان مستبعداً في حسابات أسوأ الأحوال.. إلا أن الأيام الماضية فاجأت المراقبين بتطورات جديدة من شأنها حرف مسار القضية لاتجاهات يستشف من تفاصيلها الأولية أنها ستصل إلى أبعد من نطاقها الجغرافي بكثير.. ذلك أن تبعثر أوراق ملف صعدة -كما يحدث حاليا – يحمل دلالات توحي بخروجه عن قبضة الأيدي المسيطرة.
*صار الجميع –يمنيون وسعوديون- في مرمى النيران الحوثية.. عندما باغتت قذائف هؤلاء المسلحين مواقع الجيش السعودي المتمركز في قمة (جبل دخان) الاستراتيجي، كانت الصدمة أضخم من حجم الانفجارات.. فيما سكان القرى السعودية الغاوية والخوبة و... و... و... كانوا يسمعون دوي الهجوم بآذان التوجس ويتابعون ألسنة اللهب وسحب الأدخنة بعيون قلقة وقلوب تتوجس خيفة من مستقبل آت ينذر بتحويل هذه المناطق قاعاً صفصفاً كصورة مستنسخة لما بات عليه المشهد في صعدة من خراب طاغ ودمار منتشر.. ولأن ترف الحياة لدى المواطن السعودي تختلف عن شظف شقيقه اليمني فإن الخوف يكبر كلما حسمت مناقشة الأمر بمقارنته لما حدث في صعدة.. لتأتي النتيجة المزعجة: نزوح أهالي مئات القرى السعودية في غضون أيام قليلة وقبل أن تطرق المعارك أبواب منازلهم.. إذ ما زالت بعيدة عنهم بعشرات الكيلومترات ولا يصلهم منها سوى ما تحمله الرياح العابرة من رائحة البارود.
*وسائل إعلام المملكة نقلت ملامح الذهول على وجوه مواطني ظهران الجنوب في برواز لم يضم كافة المحتويات الخارجة عن الإطار المعلن.. حيث الاحتشاد العسكري للجيش الملكي على حدود البلاد.. يقابله تحفز الطائفة الشيعية المتداخلة بأعماق التركيبة الانثروبولوجية للمجتمع السعودي.. وبين الاحتشاد والتحفز.. انفتحت عين العالم بتركيز أوسع تجاه مستجدات الساحة الملتهبة عند مشارف نقطة تعد الأهم على خارطة الدنيا.
*تأملوا –جيداً- تعقيدات الخطوات المتسارعة: ارتباك إعلامسياسي في بيانات وتصريحات الأطراف المعنية.. تسابق واهتمام إعلامي منقطع النظير لتغطية الأوضاع وتحليل الوضع.. إعلان موقف أمريكي \"سريع\" يعكس قلق واشنطن الواضح وهو الموقف الذي تحتاج فيه أمريكا لفترات طويلة للتعبير عن موقفها الرسمي إذا ما حدث ذات الأمر في بلد غير السعودية.. اليمن بعد 24 ساعة من الحدث الطارئ تزيد من ضبابية الحدث بإعلانها رسمياً –إن الحرب مع الحوثيين لم تبدأ بعد- وهي التي أمضت ثلاثة أشهر من الجولة السادسة تتحدث عن مجريات الحرب على نحو فاق ما كانت عليه طوال خمسة حروب سابقة مع من تسميهم بالمتمردين وعصابة الإرهاب والتخريب.. وحتى اللحظة تبدو حكومة إيران حذرة من الدخول غير المدروس جيداً في مربع كل أضلاعه مرسومة حول مشروعها التوسعي في المنطقة ارتكازا على أحلام استعادة المجد الفارسي الآفل.
*أما خطوات التراجع.. فبالعودة قليلاً للخلف سنجد ما يستلزم التوقف عنده بالقراءة ومن ثم الربط؛ سعياً لحصد الاستنتاج.. وكون \"إيران\" أصبحت -بوجه أو بآخر- هي \"المحور\" الأول لما يجري حالياً في اليمن من حرب طاحنة بلغت شرارتها الجارة الكبرى السعودية.. يمكننا تأمل تقارب عقارب الزمن عند محطات هامة .. نسيانها بالانشغال بالتطورات الجديدة والخطرة.. قد لا يؤدي لـ تفكيك شفرة الاحتدام الحاصل محليا ممتدا بالتأثير للمحيط الإقليمي.. ولنضع الخط الأول تحت اعتذار \"صنعاء\" قبل أسابيع عن استقبال وزير الخارجية الإيراني \"لاريجاني\" في ذات اليوم الذي طار فيه نائب رئيس الوزراء لشئون الدفاع والأمن رشاد العليمي إلى الرياض والالتقاء بخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز. بالتزامن مع إغلاق المستشفى الإيراني في العاصمة صنعاء وتفشي أنباء القبض على \"زعيم المكبرين\" عبدالملك الحوثي وارتفاع وتيرة الأخبار عن الحسم العسكري في غضون أيام وجيزة.. إضافة إلى إعلان ضبط سفينة أسلحة بميناء الحديدة وسفينة أخرى \"إيرانية\" محملة بالأسلحة وتعمد توجيه الرأي العام للاقتناع بضلوع الحوثيين في شحنات الباخرتين.
قبل ذلك بأسابيع أعادت محاولة تنظيم القاعدة اغتيال الأمير (محمد بن نايف) مساعد وزير الداخلية السعودي الحديث عن علاقة جماعة الشعار الحوثي بالإرهابيين أتباع الشيخ (أسامة بن لادن) التي كان قد تحدث عنها منذ أشهر –علنا- أحد قيادات القاعدة المقبوض عليهم ويدعى (العوفي) وهو سعودي ينشط في تنظيم القاعدة باليمن.. وخلال الأسبوع قبل الفائت كانت قضية صعدة حاضرة بقوة في مكاتب قادة وزعماء العالم.. ناقشها أمير قطر (حمد بن خليفة) مع الرئيس الإيراني (أحمدي نجاد) في طهران.. وتتصدر يوميا أولويات أعمال أمين الجامعة العربية عمرو موسى.. ويتداول الحديث حولها في الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي.. كما أن رسائل واتصالات الرئيس اليمني بأقرانه لا تخلو من استعراض للقضية التي يبدو العالم مهتما بها بدرجة أعلى من اهتمام اليمنيين.. تجلى ذلك في تفاعل الحكومة المصرية مؤخرا لتوضيح موقفها الرسمي من حرب صعدة والأزمة اليمنية.. فعلت قبلها البحرين الأمر نفسه.. وتبرز حساسية القضية باحتكاكها المباشر بإيران من زاوية دينية تتصل بخيوط مذهبية \"زيدية\" تتقاطع جذريا بخصومات أيدلوجية مع السيطرة السلفية/ السنية لغالبية بلدان المنطقة.. عوضاً عن مواكبة الحوثي لفورة الأحداث وحرصه الدائم على استعراض مواهبه المكتسبة في المراوغة وإرسال الرسائل المشفرة حين حاول إلقاء الكرة في ملعب الآخرين بنفي تهمة تبعيته للمشروع الإيراني بقوله: \"إن إيران ليست بحاجة إليه للعمل ضد السعودية ما دام لدى طهران صواريخ قادرة على ضرب الرياض\"!! حتى يحيى الحوثي اللاجئ السياسي في ألمانيا ظهر هذه المرة ذكياً على غير العادة وهو يصرُ على إنكار مهاجمة أصحابه مواقع سعودية وهو من كان ينتظر منه التفاخر بهكذا عمليات ما انفك وشقيقه عبدالملك من اتهام السعودية بانتهاك السيادة اليمنية والتورط في عمليات عسكرية ضدهم في المناطق الحدودية: الملاحيظ- الحصامة- سحار الشام.. وليس أخيرا تأكيد مصادر صحفية عن معسكر إيراني في اريتريا لإمداد الحوثي بالمقاتلين المدربين.
*ويبقى السؤال: هل \"جبل دخان\" يمني أم سعودي؟! لقد ضاعت الحقيقة وسط تضارب المعلومات وتباين التصريحات وتتويه المتابع بالدوران حول حلقة مفرغة تتمحور في نطاق ضيق المساحة لكنه شاسع الارتباط بالقادم المضطرب.. بلادنا أعلنت طرد المتمردين من الجبل وتطهيره والسيطرة عليه.. الحوثيون يعلنون انتصارهم وطرد الجنود اليمنيين من الجبل الذي تمركزوا فيه بالالتفاف من داخل الأراضي السعودية.. والمملكة تعلن عبر وكالة أنبائها الرسمية مقتل أحد جنودها وإصابة أحد عشر آخرين برصاص مسلحين أسمتهم \"متسللين\" يمنيين دون ذكر أن هؤلاء المتسللين عناصر \"حوثية\" ولأسباب غير مفهومة تتعمد عدم الإشارة رسميا للحوثي وتترك المهمة للصحف ووسائل الإعلام.. وفي حالة نادرة عززت \"قناة العربية\" الممولة سعودياً.. مصداقية الحوثيين بقيام قوات الجيش السعودي بعمليات عسكرية داخل الأراضي اليمنية.. العربية تذيع الخبر بنبرة فخر.. اليمن تنفي انتهاك الجيران لأراضيها والسعودية تكذب قصفها لمناطق داخل الحدود اليمنية.. لكن عناوين الصحافة السعودية تتباهى بضرباتها الموجعة لـ\"الحوثيين\" في شمال اليمن.. عندما أعلنت السعودية وقوع أربعين من المتسللين الحوثيين في الأسر وبسرعة جاء رد المكتب الإعلامي للحوثي بالكشف عما لديه من جنود وضباط سعوديين أسرى تشير معلومات خاصة أنهم من المعركة الأولى وتعمد الحوثة إخفائهم ليبقوا ورقة رابحة لوقت الحاجة.. وفي تطور مثير يرتفع جرحى الجيش السعودي إلى أربعين جنديا خلال اليومين الأولين فقط .. ما يدل على شراسة المواجهات التي استدعت المملكة لاستنفار قواتها المسلحة على الشريط الحدودي وتحريك فرق عسكرية متخصصة في حرب العصابات.. فيما يمزج الحوثي تهديداته بالتحذيرات حادة اللهجة وقد صار محاصراً بين قوات دولتين وصار في مواجهة خصم جديد –السعودية- تحتاج منه إلى قوة إضافية ضخمة ميدانيا عقب ثلاثة شهور من إنهاك قواه البشرية والآلية في معارك مع القوات اليمنية في سفيان وصعدة خسر خلالها مئات المقاتلين وفقد نسبة مؤثِّرة من قوته التسليحية يرجح أن تتسبب في انهياره أمام الجيش السعودي الذي يدخل الحرب بمعنويات مرتفعة أكثر من معنويات الجيش اليمني الذي ينظر للحرب بأنها محلية ضد مواطنين يمنيين بينما نظرة جيش السعودية لها بأنها مقدسة ضد عدوان من خارج الحدود بما يهيئ مساحة للاستبسال في سبيل الوطن.
ولا أعتقد الحوثي فتح هذه الجبهة دون حسابات إلا إذا كان عبيطا ومغرورا .. لكنه –ربما- قرأ المشهد بعناية أو اعتمد على قراءة الآخرين نيابة عنه.. مع أن الحوثي يتمترس عند نقطة الدفاع عن النفس في حرب يقول إنها تفرض عليه.. ولا يستبعد أن السعودية تملك أدوات اللعبة وأوراق الحسم وهي التي تتعامل مع قضية صعدة باهتمام بالغ كما لو أنها قضية سعودية.. وإذا ما عرفنا أن المملكة استطاعت طوال الفترات الماضية اختراق الجماعة الحوثية مخابراتيا ونجحت فيما عجزت عنه الحكومة اليمنية في هذا الجانب.. فإن الرغبة في حصد انتصار يثبت القوة ويعزز الحضور قد يدفع السياسة السعودية بالعمل على إحرازه خارج الحدود إذ لا مانع أن يكون في صعدة اليمنية ما دام والأمر صار وكأنه معركة مع إيران متمثلة في أتباع الحوثي.
*كل الاحتمالات واردة.. كما أن إحراز الحوثيين لتقدم على الأرض وارد أيضا.. صحيح بأن جبهات الحوثي في مناطق الصراع في الملاحيظ وسفيان وغيرها ستضعف بفعل ما تقتضيه الحاجة من مقاتلين في جبهة السعودية وهو ما يسهل على الجيش اليمني التقدم والاجتياح.. وإذا ما صحت المعلومات الواردة عن تسلل ما يقارب ألف مقاتل حوثي للأراضي السعودية فإن أسر أربعين منهم قد يكون سليما.. بالنظر إلى صعوبة استسلام الحوثيين بسهولة ودخول فرق حرب العصابات للمعركة دليل على توغل أتباع الحوثي في القرى السعودية.. ذلك أن تمركزهم في الجبال لا يحتاج إلا لقصف مدفعي وغارات جوية بالطيران.. ولو افترضنا أن هذا الإجراء السعودي هو احترازي فإن سقوط ضحايا بالعشرات من جنود المشاة السعوديين خلال يومين مؤشر ينذر بتكرار ما حدث للجيش اليمني في الحرب الأولى.. حينها كان أفراد القوات المسلحة يزحفون دون غطاء جوي كاف باتجاه معاقل الحوثيين على قمم الجبال المحصنة مما أوقع ضحايا بأعداد هائلة وتم تلافي مثل هذه الأخطاء في الحروب التالية وخاصة السادسة بعدما تغير التكتيك العسكري لدى الطرفين وانتقلت المعارك إلى أسلوب الكر والفر والاستدراج والحصار بعدما كانت مفتوحة.. وقد تدفع المكابرة الجيش السعودي إلى تكثيف الهجمات ضد الحوثيين دون تحقيق الغرض المطلوب.. ويمكن القول بأن الحوثي سيجبر إيران على الخروج عن صمتها وكشف موقفها الحقيقي من هذه الحرب كون السعودية قد دخلت على الخط وصارت في الجبهة الأمامية للمعركة.. أما إذا بقيت طهران تتعامل من تحت الطاولة مع هذه القضية الشائكة فإن لاعبين غيرها سيدخلون في قلب الصراع وسيكون دخول (قطر أو ليبيا )الحلبة –مثلا- كفيلا بسحب البساط من تحت إيران التي تعرف جيدا أن الحوثي ورقة جيدة ذات تأثير لا بأس به على مائدات التفاوض والتسويات السياسية مع أطراف النزاع.. وبالتأكيد سيخف العبء إلى حد مناسب على الجانب اليمني الذي سيكون على موعد مع مرحلة التقاط الأنفاس وترتيب الأوراق استعدادا لتداعيات مفتوحة التوقع.. بينما الحرج الذي يلاحق الدولة سيتحول إلى تعاطف ونوع من التقدير والتفهم خصوصا إذا ما أخفق الجيش السعودي في حسم المواجهة مبكرا أو تعرض لكمائن محرجة.
الرهان المشترك على القبائل
*القبائل اليمنية هي المحك.. كما هي شوكة ميزان رهان أطراف الملف –بعيدا عن الموقف اليمني- فالسعودية بلا شك ستستثمر علاقتها الوطيدة والتأريخية بالقبيلة اليمنية خصوصا قبائل صعدة المتاخمة للحدود.. بالطبع ستستغل الوضع المعيشي للمواطن اليمني وتعمل على ضخ أموالا تساهم في المساندة.. التكاليف ستكبر إذن.. والقبيلة التي لا تحصل على نصيبها قد تساند طرفا آخر وهكذا.. المصالح ستتداخل.. ورهان الحوثي سيدغدغ غرائز البسطاء والكادحين.. وبحكم التعبئة الشعبية والمزاج اليمني العام الساخط على السعوديين الأغنياء.. سيسيل لعاب الفقراء للغنائم من أرض الأشقاء.. وسيتدافعون على الفيد ومناصرة الحوثي والقتال معه إذا ما لمسوا تقدمه على جبهة القتال.. قد يبدو هذا السيناريو بعيدا عن الخيال.. لكني أجزم بإمكانية حدوثه.. قياساً بخروج حرب صعدة عن أبعد التوقعات التشاؤمية.. وحسب معلومات لم أتأكد من صحتها –تفيد بتحرك قبائل من محافظتي مأرب والجوف باتجاه صعدة للانضمام لصفوف الحوثي والقتال تحت لوائه.. ليس إيمانا بالشعار الذي يرفعه ولا قناعة بتوجهاته الدينية.. إنما بحثا عن رزق سهل يعتقدونه ممكناً ومتاحاً إذا ما سنحت اللحظة لنهب ممتلكات الجيران في نجران وعسير وجيزان.
أحلام السيطرة على الكعبة!!
يبدو الأمر كما لو أنه أسطورة أو فقاعة وهم.. لكن التحركات المتصاعدة طرديا تحمل من المفاجآت ما يدفع بأحلام الحوثيين في الوصول بنفوذهم إلى مكة المكرمة لسطح المشكلة..
منتصف العام 2008م الماضي كانت صحيفة \"الديار\" قد تناولت جزئية تتناقل بين الناس حول ما يطلق عليه المحسوبون على حركة الحوثي بـ\"النبوءة\" وبشرى الوعد بتمكينهم من بلوغ العمق السعودي والسيطرة على أهم المواقع الإسلامية مكة والمدينة عندما يصل عددهم إلى ثلاثة عشر ألف مقاتل.. تبدو الحكاية أشبه بالخرافة.. لكنها –وإن لم تكتمل بقية التفاصيل- تشكل بؤرة جذب حيوية لاستقطاب وإقناع العامة من الناس والتأثير المعنوي –إيجاباًً- على أتباع جماعة الشعار.
ولأن الحرمين الشريفين قبلة الأمة الإسلامية.. تتداخل قراءة المعطيات السياسية في الصراع الأيدلوجي الديني الراهن بين السعودية وإيران على مسارات إدارة الخلاف بأوراق مذهبية كما هو قائم في صعدة الآن.. والكعبة منذ زمن هدف رئيس في الطموح الإيراني.. ابتداء بحادثة \"جهيمان\" أثناء موسم الحج في ثمانينيات القرن المنصرم.. وانتهاء بانفجار الموقف اليمني ليمتد بشظايا حوثية للداخل السعودي في توقيت حساس واحتقان إقليمي مقلق.. فالحوثي وأتباعه يغامرون بالتوغل في حدود المملكة وأمام عيونهم مكة المكرمة كمحفز معنوي يمدهم بالصلابة والتضحية.. ليس هذا فقط.. التعبئة الفكرية والشحن الثقافي يلعب دوراً فاعلاً. خلال السنوات الماضية اشتدت ذروة الحملة الإعلامية القادمة من طهران ضد الرياض.. واستنقاص دور السعودية في قيادة العالم الإسلامي وإدارة مقدسات الأمة يتصدر الحرب المتبادلة في قالب ديني قطبية الشيعة الجعفرية والسلفية الوهابية ارتكازاً على أجندة سياسية تدار بأخطر وسائل اللعبة: الدين.. وإذا صحت المعلومات عن قيام الحوثيين في مواسم الحج الأعوام الماضية بالصرخة داخل الحرم المكي بشعارهم المعروف.. ففي الحدث ما يستدعي التوقف المتأني.. كما أن في تحويل الحوثيين أفواه بنادقهم باتجاه الرياض بدلاً عن صنعاء وبتهور ملحوظ أمر يستحق التأمل.. وكلما طرأ مستجد عالمي تجد الشيعة والحوثة يتعاملون معه من زاوية رؤاهم للعالم.. القرصنة يفسرونها بمخطط أمريكي للسيطرة على اليمن واحتلال الحرمين الشريفين ونهب ثروات الأمة مستشهدين بجدوى الوجود العسكري للأساطيل الغربية في مياه البحر الأحمر والخليج.. حتى انفلونزا الخنازير يعتبرونها محاولة صهيونية لمنع الحج والحد من احتشاد المسلمين لأداء المناسك والتهويل من وباء الانفلونزا والتحذير من الاختلاط والتجمعات البشرية كضوابط صحية للوقاية هي بالنسبة لهم جزء من إشاعات التخويف لحجاج بيت الله بعد أن منعت دول عربية مواطنيها في رمضان من أداء العمرة.
يعرف \"المكبرون\" الذين ترِّجح التقديرات تجاوزهم العشرة آلاف أن الطريق إلى الحرمين الشريفين ليس مفروشاً بالورود.. يدركون جيداً أنه سيفرش بالجماجم.. وها هي ظلال التوجس تخيم على المنطقة.. كما يمكن استقراء الطموح بتحليل نفسي وفسيولوجي لما يصدره الحوثيون من تسجيلات إعلامية مصورة بـ(الفيديو كليب) المصحوب بالأناشيد ومعها دراما تصويرية للكعبة والمسجد الأقصى والحكام العرب في لقاءاتهم برؤساء الدول الغربية.. يتكرر ذات الإيحاء بأداء أفضل في الإعلام الإيراني بخطابه التحريضي الموجه.
الاستهانة بالخصم وسوء التقدير لأسوأ الاحتمالات.. خطأ فادح وقعت فيه الحكومة اليمنية مع اندلاع الحرب الأولى التي بدأت في \"مران\" إحدى عزل مديرية حيدان بمحافظة صعدة ثم توسعت لتعم المحافظة كاملة ووصلت إلى أماكن لم يكن يتوقعها متشائم ،أطراف صنعاء وقلب مدينة صعدة وأجزاء من محافظات الجوف وعمران وحجة.. التصور الآن لمعارك في الدمام وجدة والقصيم صعبا للغاية.. وإذا ما أخذنا كافة الفروق بين الحالتين اليمنية والسعودية فإن غير الممكن اليوم قد يصبح واقعاً ولو بعد سنين.. والتصريحات القريبة لمسئول إيراني كبير بالدعوة إلى حراك إسلامي في موسم الحج المرتقب فيه من الرسائل ما يكشف النوايا والاستراتيجيات.. والتركيز على الكعبة ومكة المكرمة في التراث الشيعي مذهبياً وعقائدياً مدعاة وقفة بحثية للتعمق علمياً في جذور إرهاصات تتهيأ كأسطورة من شأنها أن تصبح أمراً محتوماً.
كماشات متبادلة..
صار الحوثيون وسط فك التمساح.. كماشة يمنية سعودية تخنق أنفاسهم من الجنوب السعودي والشمال اليمني.. هكذا يظهر المشهد على أرض المعركة.
المشهد الموازي لا ينتبه إليه أحد.. المملكة العربية السعودية محاصرة بين أنياب كماشة شيعية كبيرة.. إذا كانت إيران محاصرة في صعدة من جهتين.. هناك حصار إيراني خفي يحيط بالمملكة من الجهات الأربع.. الهلال الشيعي قد يخنق الجيران في زاوية ضيقة.. لاحظوا جيداً.. في الجهة الشرقية لخارطة السعودية تواجد شيعي في كل من العراق والكويت والبحرين يدينون بالولاء لإيران التي علاقتها –أيضا- استراتيجية مع سوريا وقطر قطبي الخصومة للسعودية في الجزيرة العربية.. كما أن الحوثيين ليسوا وحدهم في الجنوب.. هناك في نجران الطائفة الشيعية الإسماعيلية ومنها قد يخلق حوثي جديد يحمل الجنسية السعودية.. والنزعة الهاشمية تعززها الحقيقة التاريخية وقد تولد من جهة الشمال والمملكة الأردنية الهاشمية.. وبالمثل يمكن تصنيف تصريحات مرشد الإخوان المسلمين محمد مهدي عاكف مؤخراً بالمؤيدة لموقف إيران بانتقاداتها الآتية من الحدود الغربية لدخول السعودية في الحرب مع الحوثيين.
حتى زاوية الحدود السعودية من الجنوب الشرقي الصحراوي.. هناك حضور إيراني يتجسد بالنفوذ الفارسي في دولة الإمارات الجارة للجمهورية الإسلامية.. ومن جهة سلطنة عمان والقاطع اليمني الشرقي حضرموت –المهرة- مأرب.. يمكن الاستدلال بما تردده وسائل الإعلام عن نشاطات إيرانية متواصلة في تجارة وتهريب المخدرات عبر المنافذ البحرية.. بعيداً عن التحالف الإيراني الإريتري في أهم منطقة عالمية عند باب المندب.. يقابلها في أعلى الخارطة التواجد القوي في لبنان من خلال حزب الله وأيضا مع حركة حماس في فلسطين.
القصد من رصد هذه النقاط.. هو التفكير المنطقي بخطورة الوضع المهدد بالخروج عن نطاق السيطرة في حالة انفجار مسار الحرب في صعدة لأبعد مما هو عليه حاليا.. ولو افترضنا صحة تزويد إيران للحوثيين بالأسلحة عبر البحر الأحمر البعيد جدا عن موقعها الجغرافي.. فمن السهولة جدا إيصال إيران الأسلحة لحلفائها الشيعة في الدول المجاورة لها جغرافيا.. ساعة الصفر هي من سيحسم التكهنات مهما كانت شاطحة في رأي البعض.. وتبقى التوقعات أوسع من الحدود السعودية المترامية الأطراف والمفتوحة على خطوط التماس المرسومة فوق عبوات مذهبية ناسفة.
السلاح وشيعة نجران
أستطيع الجزم بأن داخل المملكة من قطع السلاح أكثر مما هو موجود في اليمن.. ربما الستين مليون قطعة سلاح الموجودة لدى المواطنين اليمنيين رقم صغير لما هو مملوك بأيدي السعوديين.. ولو علمنا أن تهريب الأسلحة بكميات كبيرة جداً من الأراضي اليمنية إلى السعودية بدأ منذ منتصف الثمانينيات.. ومطلع التسعينيات ازداد نشاط مذهل عبر الشريط الحدودي الطويل ليبلغ تهريب الأسلحة ذروته بدخول الألفية الجديدة.
نحو خمسة وعشرين عاما والمهربون اليمنيون لا يستطيعون تلبية الطلب المتزايد على كميات أكبر من نظرائهم السعوديين.. وطوال هذه المدة كانت صعدة هي المحطة الأولى والأهم لدخول السلاح إلى الجيران في ظواهر –بالتأكيد- لم تكن خافية على السلطات السعودية وإن كانت عاجزة عن منعها بما يشير أن تلك العمليات مدروسة ومخطط لها وليست مجرد نشاطات شخصية.. والسؤال اليوم: أين هي تلك الكميات الضخمة من الأسلحة؟!
الاكتفاء بالقول إنها في أيدي الإرهابيين من تنظيم القاعدة لا يكفي.. خصوصا وأن القاعدة لم تظهر داخل البلدين إلا قبل عقد واحد.. ولو عرفنا بأن تهريب السلاح للسعودية لم يكن من اليمن وحدها.. إذ أن حركة تهريب موازية كانت تأتي من الحدود السورية.. ولا أعتقد أن قوات الأمن السعودي ضعيفة إلى حد العجز عن إيقاف هذه العمليات لولا وجود مستفيدين في مراكز النفوذ داخل السعودية من تجارة وتهريب السلاح وليس شرطا أن يكونوا جزءاً من مخطط مزعوم.
الحوثيون من جانبهم في اليمن.. ساهموا في انتعاش تجارة السلاح وارتفاع أسعارها.. قبل سنوات من اشتعال الحرب في 2004م كانوا يتسابقون على اقتناء ما يقدرون على شرائه من الذخائر والأسلحة.. وبعد اشتعال الحرب عرف الجميع أسباب ذلك الإقبال.
وعليه.. قد تكشف الحرب الحالية داخل الأراضي السعودية المصير الغامض لتلك الأسلحة بمختلف أنواعها القادمة من صعدة.. لأن تسليح عناصر القاعدة في السعودية لا يبدو أنهم يمتلكون منها سوى القليل.. ولا يستبعد أن يكون الشيعة السعوديون الساكنون في الجنوب المحاذي لحدود صعدة هم المستحوذون على الجزء الأكبر ويدخرونه لساعة ما.. ومن المحتمل أن شيعة نجران كانوا خيط التواصل مع الشيعة في البحرين والكويت عبر الحدود المفتوحة لشتى الاستنتاجات.
كما أنه من غير المؤكد بقاء الطائفة الإسماعيلية تتفرج على أتباع مذهبهم الحوثيين وسط نيران المعركة.. خصوصا إذا ما علمنا أن شيعة نجران كغيرهم في البحرين والكويت والنجف أظهروا تعاطفا واسعا مع المكبرين وهم يخوضون الحروب مع الجيش اليمني.. ويشمل الاستبعاد بقاء هؤلاء الشيعة بمعزل عن التأثير الإيراني والارتباط بطهران التي ما برحت حكومتها كمساند وحيد لقضاياهم وما يتعرضون له من حين لآخر لمصادمات وقمع من سلطات بلدانهم.. وإذا كان الدور الإيراني اللوجيستي مع الحوثي وأنصاره لم يظهر بوضوح إلا في الحرب الثالثة.. فإنه قد يظهر في السعودية على نحو أوضح عما قريب إن لم يكن الظهور الأخير مقدمة لظهور ملموس على حيز الصراع.
في حالة الانفجار الكبير للحرب فإن السلاح لن يكون صعبا الحصول عليه ما دامت هناك جبهة ملتهبة على الحدود العراقية تسمح بمرور ما هو مطلوب لتنفيذ الهجوم.. عندها ستجد عناصر القاعدة ضالتها في انشغال الجيش بالحرب مع قوى متمردة وستبدأ برنامج الانتقام كما حدث في اليمن حين انشغلت الدولة بمواجهة الحوثيين.
مهما كان حجم القوات الرسمية لأي بلد كان.. فإن الحروب الداخلية تسبب له الإرهاق نتيجة استنزاف الطاقات البشرية والمخزون التسليحي.. وحين نجد تعامل المملكة مع شيعة نجران في التمرد على السلطات قبل سنوات اعتمد على تشتيت أفراد هذه الطائفة في مناطق بعيدة عن نطاق تواجدهم قد يكون سلاحا ذو حدين.. إذ من شأنه رفع شعور هؤلاء بالاستهداف وبالتالي توسيع نزعة الانتقام لديهم.. إضافة لنشر قضية شيعة نجران في نطاقات جديدة يستطيعون –حسب قدراتهم- استقطاب عناصر جديدة كما فعل المحسوبون على الحوثي من أبناء صعدة حين قامت السلطات اليمنية بنقل وظائفهم إلى محافظات أخرى.
البعض يراهن على رفاهية الحياة المعاشة لدى المواطن السعودي وتأثير نمط العيش الرغيد في النزوع إلى الهدوء وعدم الانجرار نحو العنف الذي يكون غالبا بسبب الفقر وانعدام فرص الحياة المثلى.
إلا أن إقبال السعوديين على اقتناء السلاح يدحض مثل هذه الرهانات فالرغبة في الحصول على آلة القتل يدل على ميول لتجريب القوة وإثبات الذات كما يحدث كثيرا في الدول الأوروبية الأكثر رفاهية من السعودية.
من هنا يمكننا الوقوف على المستقبل الذي ينتظرنا.. وسواء استقبلت الرياض –بعد أيام- وزير الخارجية الإيراني \"لاريجاني\" أو اعتذرت مثل صنعاء.. تظل الأبصار شاخصة في فضاء المجهول وفي محيط دائرة بوسع قنبلة.
وغير الاستسلام لإفرازات اللحظة وسياسات الأمر الواقع.. لا يمكن التنبؤ بشيء أفضل ما دامت المسافة بين السبابة والزناد لا تتعدى السنتيمترات.
* رئيس تحرير صحيفة الديار
alabed000@hotmail.com