هل صارت «طالبان» تمثل الحلم العربي؟
بقلم/ دكتور/فيصل القاسم
نشر منذ: 3 سنوات و شهرين و 28 يوماً
الإثنين 30 أغسطس-آب 2021 06:52 م
 

لا شك أننا نتفهم هذا الحماس والتصفيق الشعبي العربي من المحيط إلى الخليج لما يسمونه بانتصار حركة طالبان الإسلامية على الغزاة الأمريكيين في أفغانستان، خاصة بعد هزيمة الثورات العربية على أيدي الثورات المضادة في كل بلاد ما يسمى بالربيع العربي.

الجميع يائس وكان يبحث عن بطل بعد سلسلة من الهزائم والإخفاقات، فجاءت طالبان لتملأ هذا الفراغ العاطفي لدى ملايين العرب المحبطين، فرفعوا علامة النصر وراحوا يتغنون ببطولات الحركة التي صارت فجأة، ويا للعجب، تمثل العرب والمسلمين جميعاً. على حين غرة صارت أفغانستان مهوى أفئدة الجميع من طنجة إلى جاكرتا. ماذا تعرفون عنها يا شباب؟ القليل، القليل. لا يهم، فهي مسلمة وصارت تمثلنا، وهي أنقذت معنوياتنا الهابطة. إنه، بلا شك، شعور المهزومين التائهين الضائعين الباحثين عن هوية وعن بطل يخلصهم من هزائمهم المتراكمة. إنها قمة الكوميديا والتراجيديا معاً.

لا نريد طبعاً هنا أن ننتقص من قيمة طالبان، اختلفت أو اتفقت معها، فلا تستطيع أن تنكر أنها من أقوى حركة مقاومة في العالم في القرن الحادي والعشرين من حيث الصلابة والمثابرة والبأس بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع توجهاتها العقدية وبرنامجها السياسي والاجتماعي البائس. لكن في الآن ذاته من حقنا أن نوجه للذين يمتدحون الحركة سؤالاً بسيطاً: هل أيها المصفقون لطالبان، قمتم بثوراتكم في العالم العربي ضد الطواغيت والقتلة والمجرمين، وضحيتم بالغالي والنفيس لتستبدلوهم بحركات مشابهة للحركة الأفغانية التي يضعها العالم في نفس السلة التي يضع فيها داعش وتنظيم القاعدة وشركاه؟ لا نريد طبعاً مصادرة رأي أحد، ومن حق كل جهة أن تدافع عن الحركة التي تراها أكثر تمثيلاً لها ولطموحاتها وتطلعاتها، لكن لماذا هذا التحشيد لحركة لا تمت للحداثة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية بصلة، فالكثير من الثورجيين السوريين مثلاً هاجموا وشتموا كل من طرح بعض الأسئلة الاستفهامية حول الانسحاب الأمريكي من أفغانستان. وهم يريدون منك أن تصفق بشكل أعمى لما يسمونه انتصار طالبان. وهل ثرتم على طاغية الشام كي تستبدلوه بطاغية يتلحف برداء ديني؟ لماذا تحبون المراوحة بين سندان أنظمة المخابرات والعسكر ومطرقة أصحاب العمائم واللحى الذين يعتبرهم الكثيرون أصلاً صناعة الديكتاتوريات وأجهزة الاستخبارات الدولية؟ هل ستنتخبون «جبهة النصرة» أحد فروع القاعدة بديلاً لطاغية الشام في سوريا مثلاً؟ والسؤال الأهم: أليست الثورة قفزة إلى الأمام وليست نكوصاً إلى الماضي السحيق؟

لكن بعض المتحمسين لتجربة طالبان يرد بالقول إن درس أفغانستان يجب أن تتعلمه كل جماعات المعارضة العربية التي ظنت أن استعانتها بكلاب العالم وضباعه وصراصيره وخنازيره ستحرر لها بلادها من الظلم والطغيان والطغاة دون أن تعلم أن كل من يرهن نفسه وبلاده للخارج سيكون مصيره كمصير عملاء أمريكا في أفغانستان. تمام، كلام جميل، لكن كي لا نظلم كل المعارضات العربية ونتهمها بالاستعانة والارتهان للخارج وللتصحيح أيضاً، أليس من حقنا أن نسأل: وهل نشأت طالبان وصمدت وانتصرت دون الاستعانة بجارتها باكستان ومخابراتها؟ لماذا تتناسون الدور الذي لعبته مخابرات باكستان الرهيبة في مسار طالبان منذ عقود وعقود؟ ومع ذلك سنوجه معكم التحية إلى كل الذين يقاومون الغزاة والمحتلين في كل مكان، لكن نتساءل في الآن ذاته: لماذا كل بلاد المقاومة المزعومة تعاني شعوبها الفقر والقهر والظلم والجوع ولا تجد حتى الكهرباء والماء؟ لبنان، الجزائر، سوريا، اليمن أفغانستان، العراق، إيران، السودان، ووو. أليس قبل أن تطردوا الغزاة يجب أن تطعموا شعوبكم؟ ألا تزحف الشعوب على بطونها لو حرفنا مقولة نابليون عن الجيوش قليلاً؟ والسؤال الآخر الذي نوجهه إلى البلاد التي يسمونها مقبرة الغزاة، والتي لا يدخلها غازٍ إلا ويموت فيها بسبب صلابة شعبها وشدة بأسه، أليس من الغريب العجيب أن تلك البلدان أيضاً تقبر شعوبها وتذلها، فلا تجد فيها سوى الفقر والقهر والجوع والفاقه والموت والتخلف؟ ولو أن تلك البلدان اهتمت بشعوبها لما غزاها أحد أصلاً.

صحيح أنه من المبكر الحكم على تجربة طالبان في الحكم وهي لم تستلم السلطة بعد بشكل رسمي، وسنسلم جدلاً أيضاً أن طالبان الجديدة ليست كطالبان الملا عمر، لكن مهما اختلفت الحركة وافترقت عن ماضيها، فلا شك أنها ستظل حركة بعيدة كل البعد عن أقانيم العصر الاجتماعية والديمقراطية، وسيظل العالم يصنفها إلى جانب القاعدة، خاصة وأن أسامة بن لادن كان قد بايع طالبان قبيل الغزو الأمريكي قبل عشرين عاماً. ولا ننسى أيضاً أن أمريكا تحججت لتبرير غزوها لأفغانستان باحتضان طالبان لتنظيم القاعدة الذي اتهمته واشنطن وقتها بتدبير أحداث الحادي عشر من سبتمبر. ثم ماذا أنجزت الحركات الدينية المعتدلة القابلة باللعبة الديمقراطية في الحكم وآخرها حركة النهضة التونسية، كي يصفق البعض لحركات ترفض أصلاً كل أشكال الديمقراطية الحديثة. وكما يقول المثل الشعبي: «إللي بيجرب المجرب بيكون عقله مخرب» فلا تنسوا أن بعض المغفلين قد صفق مثلاً عام 2000 للانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان ثم صفقوا بحرارة وحماس للانتصار الإلهي المزعوم لحزب الله عام 2006، ولا بأس، صفقوا كما تريدون، لكن العبرة دائماً بالنتائج. هل تعلمون أن بيروت تحولت بعد النصر الإلهي الى أكبر مزبلة في الشرق الاوسط، أما لبنان، سويسرا الشرق سابقاً، فهو الآن على وشك الجوع والخراب والانهيار الكامل. مع ذلك نجد أن هناك دوماً توقاً وتحمساً للحركات التي ترفع شعارات دينية. « لا شك أن حركة طالبان الأفغانية أقوى حركة مقاومة في القرن الحادي والعشرين، لكن هل تقبل أن تحكمك؟» سؤال طرحناه للاستفتاء في «تويتر» فكانت النتيجة مذهلة وهي أن 58.5 صوتوا بنعم، بينما صوت 41.5 بلا.

هل طالبان وأخواتها يا ترى هي البديل الأفضل للأنظمة الديكتاتورية المستبدة التي ثارت عليها الشعوب في بلادنا؟ هل ساهمت أمريكا بشكل خبيث في إعطاء طالبان دور البطولة لغاية في نفس يعقوب؟ هل صارت طالبان تمثل «الحلم العربي»؟