من هم الحوثيون؟.. ظاهرة ايرانية في اليمن
بقلم/ متابعات
نشر منذ: 15 سنة و أسبوعين و يوم واحد
الأحد 08 نوفمبر-تشرين الثاني 2009 05:35 م

صنعاء - عبدالله اليماني

تراود زائر اليمن اسئلة عدة, عميقة, تتجاوز ابعاد الراهن الى مكانته الحضارية, ليعاود الواقع طرق الذهن باسئلة من نوع ما الذي تشهده جبال الشمال؟, ولأي غاية يقاتل ابناء الجلدة الواحدة انفسهم؟, واي مسوغات تلك التي يسوقها المتمردون في حربهم ضد النظام؟, وهل تصب تلك الحرب الطاحنة في صعدة واكنافها في مصلحة الدولة اليمنية العليا, ام ان الامر لا يتعدى تنفيذ اجندات الشجر والحجر وايضا الانسان براء منها؟.

في اليمن تتجلى الحقائق, وتتضح للزائر رؤية غابت امام سيل من التقارير الاعلامية, التي تخفي بعضا من الحقيقة, لا لهدف, فقط لان معدها لم يلج التكوين الداخلي لبلاد شهد حروبا داخلية متعددة وعلى مدى سنوات طوال.

العرب اليوم سلكت دروبا اوصلتها الى حقائق كانت غائبة, ولامست في مسعاها اطراف ومواطن الشارع اليمني بتكويناته, المتنوعة او المختلفة, متحققة من طبيعة الصراع الدائر عند ثغر عربي صنع الوحدة وانجزها, غير ان اعداءها لم يعدموا الوسيلة لفضها.

يخوض اليمن حربا ضروسا ضد الحوثيين, في محاولة لثنيهم عن اجندات غايتها النيل من استقرار البلاد, متدثرين بالمذهبية الدينية, وتكفير الاخر, وذلك في نطاق جغرافي عصي, وجغرافيا تقهر طبيعتها ادوات القتال.

صعدة: مركز الصراع

تقع محافظة صعدة جنوب شرقي قاع الصحن, وقديما كانت أول مساكنها على سفح جبل تلمص, على بعد ثلاثة كيلومترات من المدينة الحالية, ويحيط بمدينة صعدة القديمة - التي تأسست في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) - سور عريق, يرتبط بأبراج حراسة, وله من الأبواب ثلاثة, اما نسيج المدينة المعماري فمعظمه يدخل الطين والزبور في تكوينه.

مركز صعدة الإداري يبعد عن العاصمة صنعاء زهاء 242 كيلومترا, وتتشكل تضاريسيا من مرتفعات وسهول ووديان خصبة, وسلسلة جبال, تبدأ من الجنوب بجبال خولان بن عامر, التي يصل ارتفاعها 2800 متر, ثم جبال جماعة ورازح وسحار وهمدان بن زيد وأفضل مناطق النزهة للسياحة تلك المدرجات الخضراء في كتفاء.

ولا يمكن النظر الى الفكر الحوثي بمعزل عن الفكر الشيعي الإثني عشري ورؤاه في الحكم والسياسة, الذي تحصر أدبياته أحقية سلالة معينة بالحكم والأمر, باعتبار ذلك قدر سماوي لا يمكن تجاوزه أو التقليل من شأنه, وهي النسل العلوي من فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم, وهو نسب شريف, تدعي أسرة الحوثي إنتماءها إليه, وهو امر مشكوك في صحته, استنادا الى حوادث تاريخية ومسلمات بدهية.

صراع تاريخي

الصراع الدائر الان بين الحكومة اليمنية والزيدية, التي ينتمي اليها الحوثيون, ليس الاول, فالتاريخ اليمني حافل بالعديد من الحروب, فالطائفة الزيدية لم تقبل الانخراط في حكم غير علوي, ورفضت التطورات التي لامست أساليب الحكم والإمامة, وتمرد متعصبي الزيدية, حسين الحوثي ووالده بدر الدين الحوثي, على قوى الاعتدال التي قبلت بالتطورات.

واعتبر بعض علماء الزيدية حسين الحوثي متمردا على المذهب, ومخالفا له, وبأن أحقية النسل الهاشمي بالحكم من دون غيره هي التي تحرك الحوثيين, وتدفعهم لهذا التمرد المسلح, مستلهمين القوة والعبرة من الثورات الزيدية المتعددة التي جرت في اليمن عبر التاريخ, والتي جرى بعضها تحت مسميات سياسية.

في نهاية حرب عام 1994سافر بدر الدين الحوثي وابنه حسين إلى إيران, التي اختاراها بحكم التقارب الفكري رغم الاختلاف المذهبي في قضايا اساسية, الامر الذي يرجع اليه انتشار بعض الأفكار الغريبة بين أتباع الحوثي, وظهور حسين اليماني الممهد للمهدي, الذي ساهم في تجميع الشباب حول حسين الحوثي.

وتعتبر افكار اليماني من الأفكار الإيرانية الإمامية بامتياز, والمعتمدة في كتبهم, ولا أثر لها في الكتب الزيدية.

ارتباط بايران

وحادثة النجف الاشرف التي قامت بها مجموعة سميت بجند السماء بقيادة حسين اليماني, الى جانب ظهور عدد من الشيعة في إيران والعراق عبر التاريخ يدعون أنهم حسين اليماني. كل ذلك يؤكد بما لايدع مجالا للشك, الارتباط الفكري بالثورة الإسلامية في إيران, والتأثر الكامل بها.

ووصف حسين الحوثي صحابة رسول الله بأوصاف لا تليق ويرفضها عامة فقهاء المذهب الزيدي المعتدلين.

وكان بدر الدين وابنه حسين في حزب الحق مع قيام الوحدة, وتحالفوا مع الحزب الاشتراكي اليمني, ثم استقلوا, وانتسب بعض أبناء بدر الدين في المؤتمر الشعبي العام, وخرجوا من المؤتمر, وحزب الحق وغيرها.

وعرضت الحكومة اليمنية على الحوثيين تأسيس حزب سياسي لطرح أفكارهم وآرائهم على المجتمع, غير انهم لم يوافقوا, مشترطين العدالة وتوظيف أتباعهم وإخراج معتقليهم ورد الاعتبار لهم, وتارة اخرى يشترطون طرد السلفيين من المحافظة واقتصارها على المذهب الزيدي.

الحوثي والانتخابات

كان للنشاط الذي قام به الشباب المؤمن نتائج ايجابيه ومثمرة بالانتخابات النيابية لعام 1993 حيث تمكن حزب الحق بالفوز بمقعدين لحسين بدر الدين الحوثي في دائرة 294 وعبد الله عيظة الرازمي في دائرة .296

ومثلت انتخابات 93 انطلاقة قوية للحوثي مكنته من بناء علاقات داخلية وتوطيد علاقاته باتجاهات خارجية, وكان والده بدر الدين الحوثي قد فكر باللجوء لإيران إثر قصف منزله في مران عقب مواجهات عام 1994 إلا أنه تم تسوية الوضع فسمح له بإقامة مركز, وعوض من قبل الدولة نظير هدم منزله.

وشكل كبار علماء المذهب الزيدي مظلة برز في كنفها تيار الشباب المؤمن اسس الكثير من المنتديات, وأهمها منتدى المعهد العلمي العالي, الذي أدرك العلامة مجد الدين المؤيدي مخالفة مناهجه لمناهج الزيدية فشكل لجنة للتحقيق في الأمر وأخلفوا, فأصدر فتوى ضدهم حذر فيها منهم ووصفهم بمخربي المذهب الزيدي وكفرهم, وهذه أولى الضربات الموجعة لهذا التنظيم.

وتمثلت الضربة الثانية في طرد تنظيم الشباب المؤمن من حزب الحق الذي أصبح يشكل خطراً على بقية الأحزاب بمحافظة صعده, واخذوا يبحثون عن مادة تجمع حولهم الأنصار والأتباع فوجدوها في شعار حزب الله وانتشرت الفكرة حتى ملأت المساجد بما فيها الجامع الكبير والمدارس.

ويقول امام وخطيب الجامع الكبير بضحيان اسماعيل الكوكباني ان ترديد الحوثيين لعبارة الموت لأمريكا.. الموت لاسرائيل جرى لمنعهم عن التكبير في الجامع لأنهم يكبرون بأصوات مزعجة وبصور عنيفة, وعندما اخذوا يخطبون بقوة السلاح كانت خطبهم تشيد بإيران وحزب الله وحسن نصر الله.

صعدة والحوثيين

ظهور الحوثيين في محافظة صعدة جاء لاحتوائها على اهم وأكبر التجمعات الزيدية في اليمن, التي تعرف بانتمائها للمذهب الزيدي وتنسب إلى العالم اليمني الزيدي بدر الدين الحوثي الذي يعد الأب الروحي للجماعة التي باتت تعرف بالحوثيين آو بجماعة الحوثي, وهي امتداد لما يسمى بجماعة الشباب المؤمن.

ورغم ظهور الحركة فعلياً خلال عام 2004 اثر اندلاع أولى مواجهاتها مع الحكومة اليمنية فإن بعض المصادر تعيد جذورها في الواقع إلى ثمانينات القرن الماضي حيث تم في عام 1986 إنشاء اتحاد الشباب لتدريس افراد الطائفة الزيدية على يد صلاح احمد فليتة, وكان من ضمن مدرسيه مجد الدين المؤيدي وبدر الدين الحوثي.

وعقب الوحدة اليمنية عام ,1990 وفتح المجال أمام التعددية السياسية والحزبية, تحول الاتحاد من الأنشطة التربوية إلى مشروع سياسي من خلال حزب الحق الذي يمثل الطائفة الزيدية, ثم تحول إلى منتدى الشباب المؤمن, الذي أسس في عام 1992 على يد محمد بدر الدين الحوثي وبعض رفاقه, كمنتدى للأنشطة الثقافية, ثم حدثت به انشقاقات, ويقال أن حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم هو من قام بداية بدعم منتدى الشباب المؤمن بهدف تقويته ضد اكبر الأحزاب الإسلامية المعارضة في البلاد, التجمع اليمني للإصلاح, فيما يقول آخرون أنه كان لمواجهة الحركة السلفية آنذاك.

وفي عام 1997 تحول المنتدى على يد حسين بدر الدين الحوثي من الطابع الثقافي إلى حركة سياسية تحمل اسم تنظيم الشباب المؤمن, حينها غادر كل من صلاح احمد فليتة ومجد الدين المؤيدي التنظيم واتهماه بمخالفة المذهب الزيدي, وقد اتخذ المنتدى منذ 2002 شعار الله اكبر, الموت لأمريكا, الموت لإسرائيل, اللعنة على اليهود, النصر للإسلام.

وظل أنصاره يرددونه عقب كل صلاة ويكتبونه على جدران المساجد والمباني والممرات العامة, وقيام السلطات الحكومية بمنع أتباع الحركة من ترديد شعارهم بالمساجد كان احد أهم أسباب اندلاع المواجهات, بين الجماعة والحكومة اليمنية.

ويدعي الحوثيون بأن الزيديين تعرضوا قبل الوحدة وبعدها للتمييز السياسي والاجتماعي والتهميش في الوظائف الحكومية والقمع المذهبي والفكري من قبل الأكثرية الشافعية, بل ويعيدون سياسات التمييز إلى عام 1962 عندما أطيح بالإمامة الزيدية, التي حكمت اليمن لأكثر من أحد عشر قرناً, ويطالبون بموافقة رسمية على صدور حزب سياسي مدني, وإنشاء جامعة معتمدة في شتى المجالات المعرفية, وضمان حق أبناء المذهب الزيدي, في تعلم المذهب في الكليات الشرعية, واعتماد المذهب الزيدي, مذهباً رئيسياً في البلاد, إلى جانب المذهب الشافعي, غير أن السلطات اليمنية, تؤكد أن الحوثيين يسعون إلى إقامة حكم رجال الدين, وإعادة الإمامة الزيدية, وهو ما ينفيه الزيديون, ويؤكدون أنهم لا يعارضون النظام الجمهوري, ولا يعتبرون أن النظام الإمامي له أساس في الفكر الزيدي.

وكانت السلطات المختصة قد دعت أكثر من مرّة الحوثيين لتأسيس حزب سياسي, معلن ليتم تأطير دعواتهم وأهدافهم وتحركاتهم في هذا الحزب غير أنهم سعوا, حسب اتهامات السلطات لهم, إلى إرغام الناس على اتباع مذهبهم بالقوة من خلال قطع الطريق وترهيب الناس بالقتل والتهجير والخطف والتدخل في أعمال السلطة المحلية للمحافظة المتواجدين فيها وتؤكد أن الحوثيين يسعون لإقامة حكم رجال الدين, وإعادة الإمامة الزيدية بعد أن تم القضاء عليها في عام 1962 بمساعدة دول إقليمية تمدها بالدعم المادي واللوجستي.

وتحول اتحاد الشباب, عام ,1990 إلى حزب الحق, وبدأ نجم حسين بدر الدين الحوثي بالظهور, وهو ابن بدر الدين الحوثي, وخاض الانتخابات البرلمانية وفاز في دورتين متتاليتين عام 1993 و.1997

ووقع خلاف بين بدر الدين الحوثي و بقية علماء الزيدية في اليمن حول فتوى تاريخية, وافق عليها علماء الزيدية اليمنيون, وعلى رأسهم المرجع مجد الدين المؤيدي, التي تقضي بأن شرط النسب الهاشميّ , للإمامة صار غير مقبولٍ اليوم, وأن هذا كان لظروف تاريخية, وأن الشعب يمكن له أن يختار مَن هو جديرٌ, بحكمه دون شرط أن يكون من نسل الحسن أو الحسين رضي الله عنهما.

ولم تعط الدولة اليمنية اهتماما لظهور الحوثيين لغاية عام ,2004 اذ حصل تحول وتطوُّر خطير, الا وهو خروج الحوثيين بقيادة حسين الحوثي بمظاهرات ضخمة في الشوارع لمناهضة الاحتلال الأمريكي للعراق.

والتحول الاخر هو ان الحوثي يدعي الإمامة والمهديّة والنبوَّة, وفي عام 2004 شنّت الحكومه حربا مفتوحة على جماعة الحوثيين, وأسفرت عن مقتل زعيمهم بدر الدين وتولى القيادة حسين.

ويتضح من صمود الحوثيين للان انهم تسلحوا سرًّا بشكل جيد, واستعدوا لاسوأ الاحتمالات والمواجهات, وتدربوا على استخدام كل انواع الاسلحة المتطورة, التي جعلتهم يصمدون طيلة هذه السنوات الماضية.

وإذا تمكن الحوثيون من السيطرة على حكم اليمن فهذا يعتبر نصرًا للزيدية, فمن خلاله ستحاصر أكبر خصم لها وهو السعودية, حيث سيصنع هذا النصر لايران بيدها أوراق ضغط كبيرة على صعيد علاقتها مع العالم الإسلامي السُّني, أو مع أمريكا.

الدعم الايراني

ويرى محللون أن صعود قوة تنظيم الشباب المؤمن يعود إلى استغلال حسين الحوثي للدعم الإيراني المخصص لتصدير الثورة, الذي كان في بداية الأمر دعماً فكرياً أكثر منه مادياً, إلا أنه تحول إلى دعم مادي وعسكري بعد سقوط نظام صدام حسين في العراق والفورة التي شهدها النفوذ الإيراني.

وفي المقابل اعلنت إيران احترامها لوحدة الأراضي اليمنية, معتبرة أن مسالة صعده مسالة داخلية, كما ان وسائل الإعلام الإيرانية, فضائيتي العالم والكوثر تتبنى قضية الحوثيين, الى جانب ان الحوثيين طلبوا وساطة المرجع الشيعي العراقي الأعلى آية الله السيستاني .

ويساعد تعاطف ابناء منطقة صعدة التمرد الحوثي, ومرد هذا التعاطف الاوضاع الاجتماعيه والأعباء الاقتصادية التي ألقت بظلالها على المواطن اليمني, الامر الذي استغله الحوثي عبر دفع الرواتب لبعض مؤيديه, وتركيزه على تقديم المساعدات الاجتماعية والخيرية, واستغلاله عودة أكثر من مليون يمني من السعودية, الى جانب استقطاب مئات العائدين العاطلين عن العمل للوقوف الى جانبه, فضلا عن الحكم القبلي ودعم بعض القبائل نكاية بالنظام الحاكم لوجود ثارات بينهم وبين النظام, وبصرف النظر عن الدين أو المذهب.

ومن العقبات التي تطيل عمر المواجهات بين الجيش والحوثيين الطبيعة الجبلية لليمن, التي تعيق سيطرة الجيش, حيث وعورة المنطقة وافتقارها للطرق المعبده, كما ان الجيش اليمني لايمتلك طائرات حديثة مجهزة باجهزة لتوجيه قنابلها وصواريخها من مسافات بعيدة, ولا يوجد لديها حلفاء يزودونها بتحركات للعصابات الحوثيه عبر الأقمار الصناعية, التي ترصد الحركة بشكل دقيق.

ويضطر الطيارون الحربيون للانخفاض بطائراتهم حتى يشاهدوا الهدف الذي يودون قصفه, وهنا تتعرض الطائرات اما للاصابة بالمقاومات الارضية او الصاروخية التي لدى الحوثيين او الارتطام بالجبال, كما حدث للمقاتلتين اللتين تعرضتا للسقوط .

اولى الحروب

في 19 حزيران 2004 اندلعت أولى الحروب بين القوات الحكومية والحوثيين وانتهت بمقتل زعيم الحركة الحوثية وقتذاك حسين بدر الدين الحوثي , وفي 8 -9- 2004 انطلقت الحرب الثانية بعد اقل من ستة اشهر, وتحديداً في شباط 2005م, بقيادة بدر الدين الحوثي , وانتهت الحرب فجأة, لتبدأ الحرب الثالثة نهاية عام 2005 وهذه المرة بقيادة عبد الملك الحوثي الابن الأصغر, لبدر الدين الحوثي, وتوقفت هذه الحرب في شباط 2006م, عند دخول الطرفين في مفاوضات ثنائية , وافضت الى اتفاق نيسان 2006 م . وفي كانون الثاني 2007 م, اندلعت الحرب الرابعة على خلفية, اتهام الحكومة اليمنية, للحوثيين بطرد اليهود اليمنيين, من محافظة صعدة , والسعي إلى الانفصال وتكوين دولتهم الشيعية . وفي مطلع نيسان من عام 2008 م , تجددت المواجهات بشكل مناوشات طفيفة, بين الحين والآخر, كان أبرزها في مديرية حيدان, في الوقت الذي كانت المفاوضات, مستمرة بين اللجنة القطرية , والرئاسية ومندوبي الحوثي.

ووصلت المفاوضات الى طريق مسدود حول تنفيذ بعض بنود الاتفاق, واستمرت بعض المناوشات بين القوات الحكومية والمسلحين الحوثيين.

وفي شهر ايار من عام نفسه تجددت المواجهات بشكل عنيف, ليعلن رسمياً عن بداية الحرب الخامسة , وتميزت هذه الحرب بأن توسع الحوثيون, في معاركهم حتى بلغوا مديرية بني حشيش, على مداخل العاصمة صنعاء, ومديرية حرف سفيان , بمحافظة عمران, التي تبعد عن صنعاء حوالي 60 كيلو مترا .

وتواصلت الحرب حتى 17 تموز 2008 م, حين اعلن الرئيس صالح , وقفها الحرب نهائيا , في خطاب القاه بمناسبة الذكرى الثلاثين لتوليه الحكم .

ولم تخل الهدنة من بعض المناوشات الصغيرة , واستمرت قرابة عام وبضعة أسابيع تقريباً, لتندلع في مطلع شهر اب الماضي الحرب سادسة .

الحسم العسكري

ويبدو أن الرئيس صالح الذي صبر وسامح كثيرا قد فاض به الكيل , ولذلك أعلن في أكثر, من مرة منذ اندلاع المواجهات الأخيرة , بأنه لا بد من الحسم العسكري النهائي , وبأي ثمن وجعلها حربا مقدسة , والحوثيون من جانبهم توعدوا بحرب استنزاف طويلة الأمد.

واظهر الحوثيون انهم يتوسعون,للسيطرة على محافظات مجاورة لصعدة, ويحاولون الوصول إلى ساحل البحر الأحمر, للحصول على سيطرة بحريَّة لأحد الموانئ ليكفل لهم تلقِّي المدد من خارج اليمن.

الامور اصبحت واضحة ومفضوحة, وهدفها الاطاحة بنظام الحكم في اليمن وليس الانفصال بشريط جزئي شيعي .

وفي كل الأحوال , لا يمكن وصف الحركة الحوثية, غير أنها حركة متمردة , كونها رفعت السلاح في وجه النظام , ولا يقبل مواطن عربي محب لوطنه ان يقتل ويدمر ابناء جلدته لارضاء جهات لاتريد الخير لوطنه .

الظاهرة الحوثية

ويحصر مؤلف كتاب الظاهرة الحوثية الدكتور والباحث الأكاديمي أحمد محمد الدغشي أستاذ أصول التربية وفلسفتها المشارك بكلية التربية العوامل التي أدت الى بروز الظاهرة الحوثية في عاملين اثنين الأول ذاتي داخلي والآخر طارئ خارجي, ويخطئ من يرى ان الفكر الحوثي ليس سوى نسخة مطابقة لما عند الآخرين, في إشارة الى التأثير الخارجي وإيران بصورة خاصة.

ويضيف ان الظاهرة الحوثية نتاج فكر جارودي مغالٍ شط عن الزيدية الأعدل والأكثر قرباً من أهل السنة والجماعة, وحسين الحوثي نسخة مستعارة من الفكر الاثني عشري وانحرافه عن المذهب الزيدي, أدى الى تصدع الشباب المؤمن, واصطدامه بالمؤيدي الذي قال ان ظاهرة الحوثية غريبة على المجتمع اليمني المسلم في أفكارها , واطروحاتها بعيدة كل البعد عن المذهب الزيدي الذي يشكل هو والمذهب الشافعي توأمين رئيسيين وفرعين في أصل عقدي واحد هو الإسلام الحنيف.

ويركز الدغشي على جذور التشيع السياسي في الفكر الزيدي الذي يدعي الحوثيون نسبتهم اليه وعملهم في إطاره الفكري والأيديولوجي قائلاً: لاشك لدى المؤرخين أن الفرقة الزيدية تمثل واحدة من فرق التشيع وإن كانت الأعدل والأكثر قرباً الى أهل السنة من بين الفرق الأخرى, وإذا غضضنا الطرف عن التراثين الجعفري والأثني عشري الإمامي والزيدي بما فيه الهادوي من حيث الخلاف الكلي بين المذهبين لتتجه أنظارنا صوب الواقع السياسي على مدى العقود الثلاثة الماضية تحديداً , سنلقى تقارباً تلقائياً ملحوظاً بين فرقة الزيدية الهادوية المعاصرة والزيدية الجاردوية والفرقة الأشهر اتساعاً وهي الشيعة الإمامية الجعفرية والأثني عشرية من خلال التشيع ورئاسة الإمامة التي هي مدار اهتمام فرق الشيعة كلها ومحور عقائدهم السياسية بصرف النظر عن اختلاف طبيعة المذهبين وفلسفة كل منهما والموقف التاريخي لكل فرقة تجاه الأخرى.

فكرة الاحتساب

والمرجع الشيعي بدر الدين الحوثي قدم فكرة الاحتساب, وهي فكرة أقرب ما تكون الى ولاية الفقيه, تلك التي أخرجها الإمام الخميني الى واقع التطبيق, للخروج من السلبية التي ظلت ترزح تحتها الإمامة الاثني عشرية طيلة تاريخها المديد, حيث عطلت الحياة, فلا إقامة صلاة جمعة, ولا جهاد, وفقدت قوانين الحكومة الإسلامية مجال تطبيقها, وفي ظل غيبة الإمام الشرعي الثاني عشر, فارتأى الخميني أن يقدم نظريته المعروفة ب¯ولاية الفقيه, ليتمكن مذهبه من التفاعل الإيجابي مع الواقع السياسي والاجتماعي, عوضاً عن الانكفاء الداخلي حتى ظهور الإمام الغائب , وليس ثمة تاريخ محدد لذلك.

وفي1999 قدم حسين بدر الدين من السودان , وكان هناك توسع في المراكز, والإدارة مكونة من 6 اشخاص هم, محمد بدر الدين الحوثي, عبدالكريم جدبان, علي أحمد الرازحي, صالح أحمد هبرة, أحمد محمد الهادي, محمد يحيى سالم عزان, الذي يوصف بأنه من التقليديين.

ومنذ عام 1999م بدأت المراكز تصنف الى فريق معتدل وفريق تقليدي, وفي عام 2000م انفصلت المراكز وبدأ الاستقلال.

وواضح لمن يتتبع خطاب حسين الحوثي بعد تلك المرحلة ما بعد 2000م أن هذا التغيير الذي يشير اليه عزان قد شمل التكوين الكلي بأبعاده النفسية والتربوية والفكرية والسياسية, لشخصية حسين الحوثي, إذ لم يعد مقلّداً للمذهب الزيدي, ولا متابعاً تقليدياً لآراء فقهائه, بل غدا خطابه الفكري الموجه نحو أتباعه ذا روح انتقائية ثورية متمردة, تبدأ من نقد الآخر المذهبي كأهل السنة عامة, ووصفهم بأنهم جميعاً لا يخيفون اليهود, بل الشيعة من يفعل ذلك, أو الوهابية كما يصفها ابن تيمية من القدماء, والزنداني من المعاصرين, الى نقد المذهب الزيدي.

ويؤكد الساسة ان فشل جهود المصالحة يعود لعدم تجاوب الحوثي لأنه لا يريد سوى إذلال الناس وتشويه صورة اليمن في الداخل والخارج ارضاء للدولة التي يعمل عميلا لها.

وبقي القول ان الرئيس علي عبدالله صالح اكد ان الشطر الشمالي من اليمن لن يكون للحوثيين , ولا الشطر الجنوبي للماركسيين , ولن يقبل للسلطان صدرالدين اباد ان يعود .

ومن المعروف أن الرئيس علي عبدالله صالح زيدي المذهب وان القضية ليست اضطهاد مذهب بمقدار ما هي جنون السلطة وتشتت الافكار والتسامح الذي يبديه الرئيس نحو ابناء شعبه.

*العرب اليوم الأردنية